عاجل

سكان حي الشيخ جراح في القدس يستعدون لمعركة ضد عمليات الإخلاء

فى غضون أسابيع قليلة، قد يُجبر عبد الفتاح سكافي على ترك منزله الذي يعيش فيه منذ 65 عاما في حي الشيخ جراح في القدس الشرقية.

يقول سكافي البالغ (71 عاما)، والذي يعيش في الحي منذ أن كان في السادسة من عمره، قبل حوالي عشر سنوات من استيلاء إسرائيل على المنطقة في حرب “الأيام الستة” في عام 1967: “سيدمر ذلك حياتنا وذكرياتنا وحياة أولادنا”.

سكافي هو واحد من عشرات الفلسطينيين في الشيخ جراح الذين قد يتم إبعادهم عن منازلهم في الأسابيع المقبلة إذا رفضت المحكمة العليا استئنافهم ضد أمر الإخلاء المعلق. ومن المرجح أن يتم استبدالهم بقوميين يهود يمينيين يقولون إن المنازل الفلسطينية بنيت على أراض مملوكة لجمعيات يهودية قبل إقامة إسرائيل.

لطالما كان الحي، الذي يقع بين جبل المشارف وخط التماس بين الشرق والغرب شمال المدينة القديمة، نقطة محورية للتوترات بين اليهود والعرب. حيث عاش مجتمع يهودي صغير في المنطقة قبل عام 1948، عندما وقعت القدس الشرقية تحت السيطرة الأردنية.

الحي هو موقع لضريح شمعون هتساديك، وهو رئيس كهنة من القرن الثالث قبل الميلاد الذي يُعرف أيضا باسم سمعان البار، وغالبا ما يزوره اليهود.

ويقول العضو في بلدية القدس يونتان يوسف، وهو من سكان المنطقة: “بالنسبة لي، يبدأ التاريخ قبل آلاف السنين، عندما دُفن شمعون هتسديك هناك. شمعون هتساديك كان حيا يهوديا وهو حي يهودي وسيبقى يهوديا”.

جد يوسف، الحاخام عوفاديا يوسف – الذي سيصبح في وقت لاحق الحاخام السفاردي الأكبر لإسرائيل ويقوم بإنشاء سلالة سياسية قوية – كان قائد الجوقة في الكنيس الخاص بالمجتمع اليهودي الصغير هناك في ثلاثينيات القرن الماضي، بحسب يوسف.

تم بالفعل طرد سكافي وعائلته رسميا من منزلهم من قبل محكمة أدنى. ومن المتوقع أن تحكم المحكمة العليا الإسرائيلية في الأيام المقبلة فيما إذا كانت ستسمح للاستئناف الذي قدمته عائلة سكافي مع ثلاث عائلات أخرى – أكثر من 70 شخصا – بالمضي قدما.

بحسب “عير عميم”، وهي مجموعة حقوقية يسارية تركز نشاطها في القدس، فإن حوالي 200 عائلة في القدس الشرقية معرضة لتهديد مماثل، مع انتقال القضايا ببطء عبر الهيئات الإدارية والمحاكم الإسرائيلية. ويعيش حوالي 70 من هذه العائلات في الشيخ جراح.

وقالت سارة سكافي، زوجة عبد الفتاح: “الاحتمال يهزك على كل المستويات. أين من المفترض أن نذهب؟ لطالما عشنا في هذا المكان، في الشيخ جراح”.

عبد الفتاح سكافي، من سكان حي الشيخ جراح في القدس الشرقية. (Aaron Boxerman / Times of Israel)
مع استعداد اليهود من اليمين الإسرائيلي لاستبدال عشرات السكان الفلسطينيين في الأشهر المقبلة، هناك شعور ملموس بأن الحدود المؤلمة وغير المرئية التي تقسم القدس تمر الآن مباشرة عبر الشيخ جراح.

بحسب جمعية حقوق المواطن في إسرائيل، يعيش حوالي 358,000 فلسطيني في القدس الشرقية، وهي الجزء من المدينة الذي استولت عليه إسرائيل من الأردن في عام 1967، حيث يتمتعون بحقوق الإقامة ولكن بشكل عام لا يحملون المواطنة الإسرائيلية. ينظر الفلسطينيون إلى القدس الشرقية على أنها عاصمة الدولة الفلسطينية المستقبلية. المنطقة نفسها هي موطن 225,000 يهودي إسرائيلي، يعيش معظمهم في أحياء يهودية حديثة مثل غيلو ورمات شلومو.

كن اليهود القوميين يسعون منذ فترة طويلة إلى توسيع الوجود اليهودي في الأحياء الفلسطينية في القدس الشرقية – سواء من خلال عمليات الشراء السرية لمنازل الفلسطينيين، أو الإخلاء بأمر من المحكمة، أو بناء مشاريع إسكان لليهود فقط بحكم الأمر الواقع – وإنشاء جيوب شبيهة بالمستوطنات داخل الأحياء .

في حديث مع تايمز أوف إسرائيل، قال نائب رئيس بلدية القدس أرييه كينغ، من المؤيدين البارزين لتهويد المناطق الفلسطينية في المدينة: “حيثما وأينما ينجح اليهود في الاستقرار في القدس، أرى ذلك شيئا مباركا”.

تستند عمليات الإخلاء جزئيا على قانون إسرائيلي تم سنه في عام 1970 يسمح لليهود باستعادة أراض في القدس الشرقية كان يمتلكها اليهود قبل عام 1948.

وقال أفيف تتارسكي، وهو باحث في عير عميم: “ما يقوله هذا القانون بالأساس: ما كان ملكية يهودية في عام 1948 لا يزال ملكية يهودية”.

يجادل القوميون اليهود مثل كينغ بأنهم يستخدمون ببساطة الوسائل القانونية الكاملة لاستعادة ما هو حق لليهود.

وقال كينغ: “هناك قانون في هذا البلد. لا أحد فوق القانون. كل فرد حقوق مصونة، ولا يجوز لأحد أن ينتهك حقوق الآخرين. مثلما يُطرد العرب، يُطرد اليهود أحيانا أيضا”.

فلسطينيين والنشطاء اليهود اليساريين يتظاهرون ضد إخلاء سكان فلسطينيين من منازلهم في حي الشيخ جراح في القدس الشرقية

في سنوات الخمسين، توصل الأردنيون والأمم المتحدة و 28 عائلة لاجئة إلى اتفاق لإعادة توطين الأرض الخالية في الشيخ جراح. وفقا للاتفاق، قدمت الحكومة الأردنية الأرض وقدمت الأمم المتحدة المال لبناء المنازل.

فرت عائلة سكافي من معارك شوارع بالقرب من منزلها السابق في حي البقعة بالقدس الغربية عام 1948. وولد سكافي بعد ذلك بعامين في دير محلي حيث استقرت العائلة لفترة وجيزة بعد الحرب.

وقال سكافي: “سمعنا أن الأمم المتحدة ستبني لنا منزلا. تقدمنا بطلب، وقاموا بإجراء يانصيب. فزنا وحصلنا على منزل هناك”، مشيرا إلى تلة تطل على الحي

.

وفقا لبنود الاتفاق، كما يقول الفلسطينيون، كان من المقرر ان يدفع المستأجرون رسوما رمزية في السنوات القليلة الأولى قبل أن يصبحوا مالكين للعقار.

في المقابل، تنازلوا عن حقوقهم في الحصول على أي مزايا من وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وهي الهيئة الدولية المكلفة بمعالجة شؤون اللاجئين الفلسطينيين.

لكن كينغ يقول إن الحكومة الأردنية لم تنقل ملكية الأرض رسميا للفلسطينيين، مما يجعلهم أكثر عرضة للتحديات القانونية.

وقال كينغ: “لو كان الأردنيون قد جعلوا المستأجرين مالكين، لما كانت هناك طريقة لليهود لاستعادة ممتلكاتهم”.

بعد ست سنوات، أعادت المحاكم الإسرائيلية قطعة الأرض إلى جمعيتين يهوديتين كانتا تملكان المجمع قبل الحرب. في عام 2003 باعت هاتان الجمعيتان الأرض لشركة “نحلات شمعون الدولية”، وهي شركة تم إنشاؤها لنقل اليهود الإسرائيليين إلى المنطقة.

وفقا لقرار صادر عن المحاكم الإسرائيلية، يُسمح للسكان الفلسطينيين بالبقاء كمستأجرين محميين، طالما أنهم دفعوا إيجارا للملاك اليهود للعقار. لكن السكان الفلسطينيين رفضوا القرار، وقالوا إنهم لا يعترفون بحق الإسرائيليين اليهود في منازلهم.

وقال سكافي: “لا يمكننا قبول شيء من هذا القبيل، رغم أننا نعرف بالطبع أن هناك مجازفة في ذلك”.

سخر كينغ من هذا الادعاء قائلا: “كانت لديهم صفقة ممتازة، ولم يضطروا إلى دفع الإيجار. لسنوات لم يدفعوا شيئا تقريبا. لكن الحفلة انتهت”.

الآن قد تأمر المحكمة العائلات – التي يصل عدد أفرادها الآن إلى المئات – بالبدء بحزم أمتعتها بحلول يوم الخميس.

وقال راز: “قد تصبح هذه العائلات لاجئة مرتين”.

الذراع الطويلة للقانون

يأتي القرار المتوقع بإخلاء العائلات في الوقت الذي تعيش فيه القدس أياما متوترة وعنيفة. وشهدت المدينة حالة من التوتر في الأسابيع الأخيرة حيث اشتبك متظاهرون فلسطينيون ومتطرفون يهود مع الشرطة.

بعد أن صور بعض الفلسطينيين مقاطع فيديو هاجموا فيها مارة حريديم، ردت منظمة “لهافا” اليهودية المتعصبة بمسيرات في وسط مدينة القدس ردد المشاركون فيها شعارات مثل “الموت للعرب”، وبحثوا عن فلسطينيين لمهاجمتهم.

القوات الإسرائيلية تتحرس مبنى تعيش فيه عائلة يهودية خلال مظاهرة فلسطينية في حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية،

اتخذت الحركتان الفلسطينيتان “فتح” و”حماس” مواقف بشأن قضية الشيخ جراح. حيث حذر محمد الضيف، القيادي في الجناح العسكري لحركة حماس يوم الثلاثاء، من أن إسرائيل ستدفع “ثمنا غاليا” إذا طردت العائلات الفلسطينية من منازلها.

من جهته، أعلن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس يوم الثلاثاء إنه سيطلب من المحكمة الجنائية الدولية إدراج قضية الحي في تحقيقها في جرائم الحرب الإسرائيلية المزعومة.

ليلة الأربعاء، تجمع عشرات الشبان الفلسطينيين من مختلف أنحاء القدس في شارع رئيسي في الحي من أمام شرطة مكافحة الشغب. وعلى الرغم من نبرة الاحتجاج العنيفة، إلا أن المظاهرة ظلت سلمية قبل أن تتدخل الشرطة لتفريقها.

وقالت نورا حميد، وهي طالبة جامعية من الناصرة، “هذا غير انساني. كما أرى الأمور، هذه نكبة أخرى – أنتم تخرجون أشخاصا من منازلهم وتدخلون آخرين مكانهم”.

وتراجع المتظاهرون عن موقع الاحتجاج وهم يكيلون الشتائم ويلوحون بأذرعهم. قوات مكافحة الشغب أمسكت البعض منهم ودفعتهم بقوة إلى الوراء. وسارت شاحنة تابعة للشرطة تحمل صهريج مياه في الشارع وقامت برش تيارات قوية من المياه تفوح منها رائحة كريهة، كما استخدم عناصر الشرطة القنابل الصوتية، مما دفع الفلسطينيين إلى الصعود إلى إحدى التلال.

وقال سكافي: “هؤلاء الأولاد لا يعرفون الخوف، لأنه يشعرون أن لا مستقبل لديهم. يذهبون للعمل في القدس الغربية، ويتعرضون للهجوم على أيدي مستوطنين من اليمين المتطرف… إذا أخذتم قواتكم الخاصة ودخلتم فيها إلى منزلي وقمتم بإرهاب أبنائي الستة، هل تعتقد أنهم سينسون ذلك؟”

قام بعض الفلسطينيين بإلقاء عبوات بلاستيكية على الشرطة، وآخرون رشقوا اثنين من السكان اليهود الذي وقفوا خارج منزليهما بالحجارة. أحدهما تصدى للحجارة باستخدام كرسي بلاستيكي أبيض.

ترك اليهود المنطقة، وعندما هرع مسعفون بفتى فلسطيني فاقد للوعي على نقالة، هتفوا فرحا.

القوات الإسرائيلية تحرس منزل عائلة يهودية خلال احتجاج على خطة إسرائيلية لهدم بعض منازل الفلسطينيين في حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية

انتهى الاشتباك بعد وقت قصير، ولكن مع اقتراب عمليات الإخلاء، وفي الوقت الذي لا يزال هناك المزيد منها في الانتظار ، يخشى البعض من أن التوترات قد تتصاعد بسرعة لتتطور إلى حريق أكبر.

وقال أحد المتظاهرين من شعفاط، ويُدعى محمود: “إذا تم طرد هذه العائلات ستنفجر القدس”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى