الأقتصاد

صندوق النقد يحذر من “غرق” دول عربية في مستنقع كورونا

حذر صندوق النقد الدولي من أن التوزيع غير المتكافئ للقاحات فيروس كورونا من شأنه أن يعرقل انتعاش الشرق الأوسط، وتوقع في تقرير جديد له، أن تبدأ اقتصادات الدول التي بدأت التلقيح مبكراً ضد فيروس كورونا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مرحلة من التعافي التدريجي لتعود خلال العام المقبل إلى مستويات ما قبل الوباء، وذلك بعدما رفع توقعاته للنمو في المنطقة لعام 2021.

وأشار تقرير صندوق النقد إلى أن “المنطقة التي تضم جميع الدول العربية وإيران شهدت تقلص نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 3.4 في المئة في عام 2020 بسبب انخفاض أسعار النفط وعمليات الإغلاق لمنع انتشار فيروس كورونا”. وكان صندوق النقد قال في وقت سابق إن نمو الناتج المحلي الإجمالي في المنطقة سيبلغ 4 في المئة هذا العام، في ارتفاع بنسبة 0.9 في المئة عن التوقعات السابقة في أكتوبر (تشرين الأول) 2020.

طوني بولس

كما توقع أن تعود مستويات الناتج المحلي الإجمالي للدول التي أجرت عمليات تلقيح مبكرة إلى مستويات عام 2019 خلال عام 2022، في حين رأى أنه “من المتوقع أن تحدث عملية التعافي في الدول البطيئة والمتأخرة في مجال التطعيم بين عامي 2022 و2023”.

وصرح مدير قسم الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في “صندوق النقد الدولي” جهاد أزعور إلى “وكالة الصحافة الفرنسية” أن “التعافي يسير على مسار متباين، حيث يلعب تقديم اللقاح دوراً مهماً في تحديد مدى فعالية وعمق التعافي”، مضيفاً أن “الانتعاش متعدد السرعات يدور على مستويات مختلفة بين أولئك الذين يسارعون إلى تقديم اللقاح ليصلوا بسرعة إلى تلقيح كامل سكانهم أو 75 في المئة منهم، وأولئك الذين سيكونون بطيئين في التطعيم أو سيتأخرون في ذلك”.

ما قبل كورونا

ويشير الأستاذ في كلية باريس للأعمال والدراسات العليا، الدكتور محي الدين الشحيمي، إلى أن اقتصاديات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تترنح منذ ما قبل جائحة كورونا، وأن “معظم الدول تتواجد على صفيح ساخن ومد متحرك بحسب المعايير الجيوسياسية والاستراتيجية. كما كان للجائحة وقع بالغ على المنطقة بدولها الهشة التي تغيب عن معظمها أسس الحوكمة المستدامة”.

ولفت الشحيمي إلى أن “هذا التعطيل أدى إلى تدهور إضافي للاقتصادات الوطنية لمختلف الدول وحتى النفطية منها، فيما كان التأثير الكبير على دول المنطقة الضعيفة، خصوصاً تلك التي تعتمد على الاقتصاد الوسطي والنقل والسياحة والوساطات التي تُعد نشاطات مصفّرة وجامدة بفعل الإغلاق العالمي التام، الأمر الذي أدى إلى معدلات قياسية من تضخم وانخفاض قيمة العملات الوطنية”.

واعتبر أن “عام 2022 قد يكون عام التعافي للدول التي استطاعت الوصول إلى مناعة مجتمعية من خلال تلقيح ما يزيد على 70 في المئة من سكانها خلال الأشهر الـ 6 المقبلة، التي ستكون حاسمة في مسار التعافي الاقتصادي”، متوقعاً أن تكون “اقتصادات السعودية والإمارات في مقدمة دول الشرق الأوسط تليها الدول الخليجية الأخرى، لا سيما أنها باتت تمتلك مقدرات التعافي في ظل السباق على استكشاف اللقاحات والتسويق لها”.

أكثر من سنتين

من جهة أخرى، لفت أستاذ التمويل والحوكمة بجامعة “نوتنغهام ترنت” البريطانية، الدكتور سليمان الشحومي، إلى أن “حجم الديون سواء الداخلية منها أم الخارجية تتفاقم في منطقة الشرق الأوسط ولا تزال تعصف بالهيكل الاقتصادي لدولها، ما يؤثر عليها بشكل عميق، خصوصاً في ظل أزمة كورونا وعدم وضوح آلية التعافي في هذه الدول بسبب أنظمتها الصحية، وعدم قدرتها على تأمين لقاحات كافية”. وأضاف أن “مسألة التعافي قد تحتاج إلى أكثر من سنتين في بعض الدول الشرق أوسطية، الأمر الذي قد يؤدي إلى ضغوط شعبية لإعادة هيكلة الاقتصاد، في محاولة للتخفيف من وطأة الآثار التي سببها استمرار جائحة كورونا من دون وجود حلول شاملة وشافية”.

وقال إن “تجربة بعض الدول التي عملت على الحلول السريعة ووفرت التمويلات اللازمة لمعالجة هذه الأزمة، تمكنت من التعافي بشكل أفضل بكثير من الدول التي تعاني ضعفاً هيكلياً، وارتفاعاً كبيراً في نسب البطالة والفقر بشكل متزايد”، موضحاً أن “مسألة الاعتماد على هيكلة رأس المال مقابل الديون وتنشيط الأسواق، تلقي بظلال كبير على قدرة هذه الدول على إعادة هيكلة نظام اقتصاداتها”.

وقال أستاذ التمويل والحوكمة، إن “سرعة قدرة هذه الدول على التصرف، كانت بسبب توفر الموارد المالية النفطية لديها، من دون اللجوء إلى النشاطات الأخرى التقليدية التي تعتمد على التواصل البشري، لا سيما في قطاعَي النقل والسياحة اللذين تأثرا حكماً في كل دول المنطقة، وبدرجة أكبر في الدول التي تشهد صراعات، التي سيكون التعافي فيها ضعيفاً، مثل سوريا واليمن، وليبيا”.

السعودية على طريق التعافي

وعلى الرغم من تبعات جائحة كورونا على السعودية وتأثر معظم قطاعاتها الاقتصادية بها، إلا أن “صندوق النقد الدولي” تحدث عن مؤشرات إيجابية إلى قدرة الاقتصاد على تحقيق نمو بمعدل 2.9 في المئة للعام الحالي، بدلاً من 2.6 في المئة، في توقعاته التي أعلنها خلال يناير (كانون الثاني) الماضي. وحافظ صندوق النقد على تقديراته لنمو الاقتصاد السعودي خلال 2022 بنسبة 4 في المئة.

وتؤكد تصريحات محافظ البنك المركزي السعودي فهد المبارك، أن يكون تعافي اقتصاد المملكة إيجابياً هذا العام، لأسباب منها انتعاش أسعار النفط. وقال إن “المؤشرات الاقتصادية الأولية في الربع الأول، إلى جانب تحسن أسعار النفط، تقدم دعماً”. ووصف المبارك استقرار أسعار النفط بأنه “أمر جيد للسعودية وللمنتجين، والمستهلكين، والمنطقة. وكلها آمال معلقة بنهاية قريبة لجائحة كورونا، من خلال تسريع حملات التطعيم ليصعب على الفيروس التفشي في أرجاء العالم”، مؤكداً أنه “في ظل رؤية السعودية 2030 يبدو الأفق مهيأً لتحقيق الأهداف الوطنية الكبرى التي تتطلع إليها المملكة”.

صلابة الاقتصاد المصري

كذلك تشير الأرقام إلى أن الاقتصاد المصري تمتع بـ”صلابة نسبية” خلال العام الماضي، وسط التحديات التي خلفتها جائحة كورونا. وتوقع “الصندوق” عودة تحسن أوضاع المالية العامة في مصر مع نمو الإيرادات، تزامناً مع جهود العودة إلى ضبطها.

وتوقع “الصندوق” أن يشكل تحسن أسعار النفط خلال 2021 ضغطاً على عجز الحساب الجاري للدول المستوردة له في منطقة الشرق الأوسط ومن بينها مصر. وقال إن “تلقي لقاحات كورونا سيزيد من سرعة تعافي الاقتصاد، إلا أن ظهور سلالات جديدة من “كوفيد-19″ يمكن أن تؤدي إلى إجراءات غلق جديدة، مع ارتفاع المخاطر بحال تأخر اللقاحات”.

كما يمكن أن يؤدي ارتفاع عائدات سندات الخزانة الأميركية إلى صعوبة التمويل الدولي وتراجع التدفقات النقدية. وقدر الصندوق كلفة تطعيم 75 في المئة من السكان في مصر ضد فيروس كورونا بأقل من 1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وأشار إلى أنه “على صناع السياسات في بعض دول الشرق الأوسط، ومن بينها مصر، ألا يغفلوا تحديات مواجهة الفقر والفساد، وزيادة فرص العمل في القطاع الخاص”. وكانت مصر من أكثر بلدان المنطقة احتياجاً إلى التمويل العام الماضي، بحوالى 44 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، لتحل بذلك في المركز الثاني بعد البحرين التي تجاوزت احتياجاتها التمويلية 45 في المئة من ناتجها المحلي. لكن كانت مصر الدولة الوحيدة في المنطقة تقريباً، باستثناء لبنان الذي يصعب حصوله على تمويل، التي انخفض حجم ديونها نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي.

وتشير تقديرات صندوق النقد أن الاحتياجات التمويلية لمصر ستنخفض إلى نحو 38 في المئة من حجم الاقتصاد خلال عامَي 2021 و2022.

طوني بولس

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى