الأقتصاد

الخليج يقلل اعتماده على النفط ويتجنب سيناريو العراق

بنت دول مجلس التعاون الخليجي اقتصاداتها ومجتمعاتها وأنظمتها السياسية حول النفط، ما يجعلها عرضة لخطر متزايد بالاضطراب مع تضاؤل ​​أهمية النفط الخام في الاقتصاد العالمي وانخفاض الأسعار.

ومع ذلك، وفي ظل توجهات هذه الدول نحو تنويع مصادر الدخل، يمكن أن يساعد مفهوم الدخل الشامل للمواطنين (إعطاء أموال غير مشروطة للمواطنين) الحكومات على تسهيل الانتقال إلى عالم ما بعد النفط، بحسب تقرير لوكالة “بلومبيرغ”.

النفط عنصر أساسي في العقد الاجتماعي في الخليج، ويوفر البترودولار نصيب الأسد من الإيرادات الحكومية، مما يسمح للحكام بالحفاظ على الضرائب منخفضة. توفر الممالك الخليجية للمواطنين وظائف هادئة وغير منتجة في العادة ضمن القطاع العام كوسيلة لتوزيع ريع النفط.

هذا له تأثير ضار على الشركات الخاصة حيث يجعل المواهب المحلية باهظة الثمن، خاصة عندما تتعرض لضغوط من الحكومات لخفض العمالة الوافدة، وبذلك تؤدي الأجور المرتفعة والإنتاجية المنخفضة إلى جعل معظم السلع والخدمات المنتجة في الخليج أكثر تكلفة من أي مكان آخر، مما يحبط الجهود المبذولة لتنويع الإنتاج بعيدا عن استخراج الهيدروكربونات.

ومع ذلك، فإن هذا الوضع، مع وجود النفط في قلب الاقتصاد السياسي، قد خدم المنطقة جيدا، وارتفعت مستويات المعيشة؛ تحتل دول مجلس التعاون الخليجي بشكل مريح الثلث الأعلى من توزيع الدخل للفرد العالمي، كما النفط مصدرا لتمويل تحديث البنية التحتية المادية.

نهاية الهيمنة النفطية

من غير المرجح أن تظل أسعار النفط مرتفعة بما يكفي للحفاظ على الوضع الراهن لفترة أطول، حيث تعمل المخاوف البيئية على تحويل الطلب على الطاقة بعيدا عن النفط الخام إلى مصادر أنظف، وتعمل التكنولوجيا على تسريع عملية الانتقال مع زيادة وفرة المعروض من النفط الخام.

قد يبدو من الغريب التنبؤ بزوال النفط في الوقت الذي تحوم فيه الأسعار حول 70 دولارا للبرميل، لكن هذه القيم مدعومة من قبل “أوبك+” التي تواصل حجب 7% من الإنتاج العالمي.

من المحتمل أن يبلغ الاستهلاك ذروته (أقصى مستوى ولن ينمو بعد ذلك ثم ربما يبدأ في الانكماش) في السنوات العشر إلى العشرين القادمة، إن لم يكن قبل ذلك.

حتى قبل تفشي الوباء، توقع صندوق النقد الدولي أن ثروة الخليج البالغة تريليوني دولار ستنفد بحلول عام 2034، وستجد البلدان صعوبة متزايدة في تمويل ميزانياتها والحفاظ على ربط عملتها بالدولار، وقد يؤدي تباطؤ خلق الوظائف في القطاع العام إلى تأجيج الغضب الشعبي.

لم تحقق محاولات فطم اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي عن اعتمادها الكبير على النفط حتى الآن، سوى نجاح محدود، وأعلنت الحكومات عن العديد من “الرؤى” والاستراتيجيات، التي تركز على التنوع الاقتصادي، لكن لم تحقق أهدافها بعد.

تفكيك المعضلة

الحل الأبسط والأكثر قابلية للتطبيق للمشكلة هو مفهوم الدخل الشامل؛ فبدلا من توظيف أشخاص في وظائف حكومية غير منتجة، ستدفع السلطات مدفوعات شهرية غير مشروطة لجميع المواطنين البالغين، بغض النظر عن حالة التوظيف أو الثروة أو الجنس.

اقتُرحت الفكرة بالفعل من قبل ستيفن هيرتوغ من كلية لندن للاقتصاد، وعلي السالم، وهو مستثمر مقيم في الخليج.

يتفوق الدخل الشامل على الوضع الحالي لعدة أسباب؛ أولا، من خلال استبعاد خيار التوظيف في القطاع العام، ستدفع الحكومات المواطنين بشكل فعال إلى وظائف أكثر إنتاجية في القطاع الخاص، وستكون الشركات قادرة على خفض رواتبها مع احتواء التأثير على أنماط حياة موظفيها، لأن الدعم الشهري من الحكومة سيزيد دخلهم.

ثانيا، سيؤدي خفض الأجور الإجمالية إلى خفض تكلفة السلع والخدمات المنتجة في دول الخليج، مما يجعلها أكثر قدرة على المنافسة، وهذا من شأنه أن يزيد جاذبيتها على الصعيدين المحلي والخارجي، مما يساعد الاقتصادات على التنويع بعيدا عن مجرد إنتاج الهيدروكربونات.

هذه طريقة أقل تعقيدا لخفض التكاليف واكتساب القدرة التنافسية من البديل المتمثل في تعديل ربط العملات، والذي كان موجودا منذ عقود.

أخيرا، سيوفر الدخل الشامل توزيعا أكثر عدلا وشفافية لمكاسب النفط غير المتوقعة. يفضل النظام الحالي المواطنين الأكبر سنا، الذين تم توظيفهم خلال سنوات ازدهار السلع الأساسية التي تشمل النفط.

مع عدم قدرة الحكومات على خلق وظائف جديدة في القطاع العام، يواجه المواطنون الأصغر سنا معدل بطالة أعلى، وقد أدى ذلك بالفعل في بعض دول الخليج إلى اضطرابات.

تمويل الفكرة 

يبقى السؤال الرئيسي؛ كيف ستمول البلدان مخططات الدخل الشامل لديها؟ بشكل رئيسي من خلال تخفيض فاتورة أجور القطاع العام، ويمكن للحكومات أيضا استخدام المدخرات من الإلغاء التدريجي للمنافع الأخرى، مثل دعم الطاقة.

على سبيل المثال، في المملكة العربية السعودية، حيث تتركز نحو نصف وظائف البلاد التي يشغلها المواطنون في القطاع العام، تنفق الحكومة 131 مليار دولار سنويا على الرواتب.

سيؤدي خفض رواتب الدولة إلى النصف إلى تحقيق مدخرات كافية للدفع لـ14 مليون سعودي بالغ منحة شهرية تبلغ 400 دولار، ومع ذلك ستظل نسبة وظائف القطاع العام إلى إجمالي التوظيف أعلى مما هي عليه في معظم البلدان الغنية.

يمكن للأشخاص الذين تم شطبهم من كشوف المرتبات العامة محاولة العثور على وظائف في القطاع الخاص، أو الانخراط في أنشطة ريادة الأعمال، أو العيش على الشيك الشهري من الحكومة.

تفادي سيناريو العراق

ستختلف قيمة الراتب الشهري عبر دول مجلس التعاون الخليجي اعتمادا على الثروة النفطية لكل دولة وحجم سكانها، وسيتعين على الحكومات أن تقرر ما إذا كانت ستدفع فقط ما يكفي لتغطية الاحتياجات الأساسية، أو السماح بقليل من الرفاهية.

بما أن الدخل الشامل سيرتبط بإيرادات الهيدروكربونات، فلن يحمي الأفراد إلى أجل غير مسمى من انخفاض أسعار النفط الخام، وإذا انهارت الأسعار، فلن تتمكن الحكومات من تمويل الرواتب الشهرية.

ولكن في مثل هذا السيناريو، لن تكون قادرة على دفع رواتب القطاع العام أيضا، وقد حدث ذلك بالفعل في العراق المجاور، بحسب “بلومبيرغ”.

على المدى القصير، من شأن الدخل الشامل أن يجعل توزيع الثروة أقل تشويها، وعلى المدى الطويل، يجب أن يوفر لدول مجلس التعاون الخليجي طريقا للخروج من الاعتماد على النفط.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى