مقالات

رحل “السراج” وبقي المرتزقة : لماذا تصرّ تركيا على بقاء المليشيات السورية في ليبيا؟

بقلم – محسن عوض الله

شهدت الأزمة الليبية تحولات كبيرة، خلال الأيام الماضية، بعد انتخاب مجلس رئاسي وحكومة انتقالية جديدة، عقب جولات من الحوار السياسي، شهدتها عدة عواصم عربية وأوروبية. وأسفر الحوار الليبي في آخر جولاته، التي عُقدت في جنيف، برعاية أممية، عن انتخاب “محمد المنفي” رئيساً للمجلس الرئاسي الليبي، و”عبد الحميد الدبيبة” رئيساً للحكومة الليبية الانتقالية، على أن تكون مهمة الطرفين تهيئة الظروف والأجواء لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية، نهاية العام الحالي.

مصير الميلشيات السورية في ليبيا، وموقف القيادات الليبية الجديدة، سواء “المنفي” أو “الدبيبة”، من الوجود التركي بشكل عام، كان السؤال، الذى شغل بال كثير من المراقبين والمتابعين للوضع الليبي والسوري، خاصة بعد رحيل حكومة “فايز السراج”، التي وقّعت اتفاق التعاون العسكري مع تركيا.

الإجابة لم تتأخر كثيراً، فبعد ساعات قليلة من اختياره رئيساً للحكومة المؤقتة في ليبيا، أجرى “عبد الحميد الدبيبة” أولى مقابلاته الإعلامية، وكانت مع وكالة “الأناضول” التركية، ليعلن من خلالها أن «مجلس الوزراء الليبي يلتزم بتضامن كبير مع تركيا»، التي وصفها بـ«الصديقة والحليفة والشقيقة».

بدوره تحدث “محمد المنفي”، رئيس المجلس الرئاسي الليبي، عن أولوياته، خلال الفترة الانتقالية، مؤكداً أنها «تنحصر في المصالحة الوطنية، وتوحيد المؤسسة العسكرية»، دون أية إشارة للوجود العسكري الأجنبي في بلاده.

تصريحات القادة الجدد بليبيا تلقتها تركيا بحفاوة بالغة، واستغلتها في الرد على دعوات إخراج مرتزقتها من ليبيا.

وأعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن بلاده «ستبحث سحب قواتها من ليبيا، إذا انسحبت القوات الأجنبية الأخرى أولاً»، مضيفاً: «وجودنا في ليبيا يأتي نتيجة دعوة من الحكومة الشرعية، المعترف بها دولياً، وبناءً على اتفاقيات تعاون عسكري».

كما أعلن “إبراهيم كالين”، المتحدث باسم الرئاسة التركية، أن «بلاده لن تخرج من ليبيا»، موضحاً: «سنبقى في ليبيا بناءً على اتفاقية التعاون العسكري والأمني، ما دامت الحكومة الليبية تلتزم بها، وتطلب وجودنا».

وكان “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، قد كشف، مساء الجمعة الثاني عشر من شباط/فبراير الجاري، أن «دفعة جديدة من المرتزقة السوريين، تتحضّر للذهاب إلى ليبيا، وسيتم نقلهم إلى تركيا، ومنها إلى ليبيا»، في الوقت الذي ما تزال فيه عملية عودة المرتزقة السوريين من ليبيا متوقفة، على الرغم من جميع المطالبات الدولية، والاتفاق الليبي-الليبي.

واعتبر مراقبون أن تصريحات القيادات الليبية الجديدة «طبيعية، وتتسق مع الواقع، في ظل صعوبة وتعقيدات المشهد الليبي». مشيرين إلى أن «ملف المرتزقة الأجانب بليبيا أكبر من قدرات قادة المشهد الليبي». واعتبر آخرون أن «الوضع الليبي سيبقي هشاً، وقابلاً للاشتعال في أية لحظة، في ظل بقاء المرتزقة السوريين، الموالين لأنقرة».

أكبر من الحكومة

“د.إياد المجالي”، أستاذ العلوم السياسية بجامعة “مؤتة” الأردنية، يرى أن أزمة المرتزقة الأجانب بليبيا «تمثّل نقطة خلاف، وتحدٍ واضح للجهود الأممية، لحل الأزمة في البلاد».

وأوضح “المجالي”، في حديثه لموقع «الحل نت»، أن «مصير المرتزقة ليس بيد الحكومة الليبية، والأمر يتوقف على الضغوط الأميركية والدولية، فكافة الملفات الإقليمية تخضع لإدارة الراعي الأميركي، وبإشراف مباشر منه»، حسب تعبيره.

ويعتبر “المجالي” أن «دعوة المبعوث الامريكي “ريتشارد ميلز”، التي تضمّنت دعوة صريحة ومباشرة للانسحاب الفوري للقوات الروسية والتركية؛ والعناصر المرتزقة؛ والمندوبين العسكريين الأجانب؛ ووقف العمليات العسكرية على الاراضي الليبية، يمكن وصفها بالتحول العميق والجوهري في تطور الأحداث في المشهد السياسي الليبي، الذي أخذ مكانه على سلم أولويات الإدارة الأميركية الجديدة، التي ستحدّ من وجود المرتزقة السوريين، وداعميهم من الأتراك والروس».

وبحسب أستاذ العلوم السياسية الأردني فقد «تنامى لدى أطراف النزاع، في الأزمة الليبية المعقدة، مؤشرات تؤكد رغبتهم بإنهاء مهمة المرتزقة السوريين، والمقاتلين المتعاقدين مع شركة “فاغنر” الروسية، الذين عبثوا بأمن ليبيا، في عمليات عسكرية، وقتال طال أمده. وهو الأمر الذي بات يعدّ مطلباً أممياً، لاستمرار السعي نحو الحل السياسي، الذي يُخرج البلاد من دوامة العنف والإرهاب»، حسب تعبيره.

تغيير شكلي

“د.عمرو الديب”، المحاضر في “معهد العلاقات الدولية والتاريخ العالمي” في جامعة “لوباتشيفسكي” الروسية، لديه رأي آخر، فهو يؤكد أن «المرتزقة مستمرون بلا شك على الأراضي الليبية، فهم أداة مهمة في أيدي الأتراك، الذين لن يستغنوا عنهم بسهولة. وما يحدث في إدلب السورية دليل مهم على هذا، فبالرغم من وجود تعاون روسي تركي هناك، استمر وجود الفصائل الموالية لتركيا، و لن تستطيع القرارات الأممية إثناء أنقرة عن خططها في ليبيا بسهولة».

ويضيف “الديب”، في حديثه لموقع «الحل نت»، أن «التغييرات الأخيرة في ليبيا إيجابية جداً من ناحية الشكل، لكن على المستوى العملي، وعلى الرغم من الترحيب الدولي والإقليمي بها، لن تستمر طويلاً، ولن يبقى التوازن الهش لفترة أطول من حلول موعد الانتخابات، نهاية العام الجاري».

واعتبر المحاضر في العلاقات الدولية أن «تعيين وجوه جديدة لحكم ليبيا، مع بقاء الوضع الداخلي على ما هو عليه، لن ينتج أكثر من  فترة هدوء حذر ومؤقت»، لافتاً إلى أنه «من الصعب معرفة ماذا يُحضّر للفترة اللاحقة، خصوصاً و أن كل الأشخاص، الذين اختيروا للحكومة والرئاسة الليبية، لهم خلفيات انتماء لجماعة الإخوان المسلمين، و من ثم فإن ولائهم لأنقرة، لذلك ستستمر الأزمة الليبية، فلا يمكن أن يتحقق الأمن والاستقرار المرجوان، بوجود المرتزقة التابعين للدولة التركية».

ولدى سؤاله حول احتمالية عودة الحرب مرة أخرى للمشهد الليبي، أكد  المحاضر المصري أنه «لا شك في عودة القتال مرة أخرى، ما دام المشير #حفتر يعدّ العدة له على الجهة الأخرى».

الأمر معقد

المحلل السياسي الليبي “أحمد التهامي” قال، لموقع «الحل نت»، إن «مصير المرتزقة السوريين، ومسألة خروجهم من الأراضي الليبية، ليس بالأمر السهل أو الهيّن».

وأوضح أن الموضوع «أصعب حتى من تحقيق تفاهم ليبي مع الحكومة  التركية»، مشيراً إلى أن «وجود هؤلاء المرتزقة بليبيا دعم وعّزز سلطة الميليشيات في البلاد، وخروجهم يعني سقوط تلك السلطة»، مشيراً إلى أن «خروج الميليشيات يحتاج إلى تفاهم ومشاركة دولية في تأمين انسحاب تدريجي للمرتزقة».

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى