قرار ولي العهد السعودي ببيع أسهم أرامكو… محاولة للفهم
لا يزال قرار ولي العهد السعودي الذي أعلنه حول طرح المزيد من أسهم شركة النفط السعودية العملاقة “أرامكو” للبيع، محل جدل كبير بين المختصين حول أسبابه، وتبعاته، والأهم لماذ الآن؟.
ولعله كما يقول موقع “أويل برايس” تعود شركة “أرامكو” السعودية، بوصفها أكبر شركة نفط في العالم، لتتصدر عناوين الصحف مرة أخرى، عقب هذا القرار.
قرار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان جاء خلال مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار في المملكة أمس الخميس، حيث أكد أنه سيكون هناك طروحات لأسهم “أرامكو” قادمة في السنوات القادمة، وهذا الكاش سوف يتحول لصندوق الاستثمارات العامة ليعاد ضخها داخل وخارج المملكة.
تصريح بن سلمان مفاجئ ليس فقط لمحتواه ولكن أيضًا لتوقيته، فبينما تعاني البورصات العالمية بتأثيرات الوباء وغيره من الأسباب، يلمح هو إلى احتمال بيع أسهم بمليارات الدولارات.
لا يزال المحللون يحاولون فهم القرار، حيث تكافح صناعة النفط والغاز كما هي في الوقت الحالي، ولكن أرامكو تغرد وحيدة بعد هذا القرار، كما كان الحال في العام 2019، حيث نجح الاكتتاب العام للشركة نجاحا غير متوقع في عام 2019، وحقق 25.6 مليار دولار، جديدًا في أذهان المستثمرين.
وهنا يمكننا الإشارة إلى أن مفاجأة ولي العهد السعودي بهذا التصريح سبقتها إشارة لرئيس صندوق الثروة السيادية السعودي، حيث طرح إمكانية بيع المزيد من أسهم أرامكو سابقًا.
وقد صرح صندوق الاستثمارات العامة ( بي آي إف)، مالك أرامكو، أن الشركة قد تفكر في بيع المزيد من الأسهم إذا كانت ظروف السوق مناسبة.
على مستوى التفاصيل فإن قيمة أسهم أرامكو في الوقت الحالي، لا تزال عند حوالي 34.75 ريال (9.26 دولار)، وهو ما لا يزال أعلى بكثير من سعر الطرح العام الأولي البالغ 32 ريالًا، وقد تم تحديد القيمة الإجمالية للشركة حاليًا بمبلغ 1.86 تريليون دولار.
وطبقا لـ “أويل برايس”، فإن السوق يجب أن ينظر في عدة عوامل قبل الرد على أخبار صفقة الأسهم الجديدة هذه.
منها مثلا موقف أرامكو العام ضمن خطط التنويع الاقتصادي لصندوق الاستثمارات العامة ومحمد بن سلمان، والذي يعد واضحا، فبدون عملاق النفط والغاز والبتروكيماويات العالمي كأحد الركائز الأساسية لمستقبل الاقتصاد السعودي، لا يمكن تنفيذ أي خطط في الوقت الحاضر، إذ لا تزال المملكة العربية السعودية دولة ريعية، حيث تشكل عائدات النفط والغاز الركيزة الأساسية لقوتها الاقتصادية.
نعم هناك جهود للتنوع تجري داخل المملكة لبناء اقتصاد جديد ومرن في الدولة، وتوفير فرص العمل للسعوديين مع دعم بقاء المملكة كما هي، ومع ذلك لا يزال المبلغ الهائل من الاستثمار المطلوب يمثل عقبة رئيسية، على الرغم من أن صندوق الاستثمارات العامة السعودي يضخ مليارات الدولارات في الاقتصاد.
وقد استثمرت تلك المبالغ في مشاريع ضخمة رفيعة المستوى، مثل نيوم وجزر البحر الأحمر والقدية، بالإضافة إلى استهداف الشركات الناشئة والشركات الصغيرة والمتوسطة داخل وخارج المملكة لتوفير الدفع اللازم للنمو.
وبالطبع أبرز العرض الاستراتيجي لصندوق الاستثمارات العامة الأسبوع الماضي مدى طموح هذه الخطط ، مما يشير إلى نيته مضاعفة إجمالي الأصول والاستثمارات في العام المقبل.
على الرغم من كل هذا، هناك طلب متزايد على عائدات أرامكو، مع قدرة الحكومة السعودية على إصدار الكثير من السندات الحكومية، إلا أن عجز ميزانية الرياض لا يزال مرتفعاً.
أرامكو إذن وباعتبارها واحدة من صانعي المال الحقيقيين الوحيدين في البلاد، ربما يكون الهدف منها مزدوج في الوقت الحاضر، فمن جهة يخطط لأن تكون الداعم المالي الرئيسي لخطط التنويع في المملكة، وأيضًا لتوفير التدفق النقدي اللازم لسد الثغرات في الميزانية.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الوضع النقدي الإجمالي لأرامكو لايزال ورديا للغاية، خاصة عند النظر في وضع معظم منافسيها، حيث لا تزال أرباحها مذهلة، على عكس شركات النفط العالمية مثل “شل” أو “بي بي” أو “إكسون” أو “توتال”. لكن مستويات ديون أرامكو زادت أيضًا، وقد تهدد إصدارات ديون أرامكو الجديدة تدفقها النقدي المستقبلي ونجاح رؤية محمد بن سلمان التي يحلم بها في 2030.
لذا كان الخيار الأرخص بكثير والأكثر جاذبية هو طرح أسهم جديدة في السوق، حيث لا توجد مخاطر حقيقية على مالك الشركة ، “صندوق الاستثمارات السعودي”.
فمن خلال دفع 5-10% أخرى من الأسهم إلى السوق، لن تتمكن أرامكو من جني 180 مليار دولار فقط (بالقيمة السوقية الحالية) ولكن يمكنها أيضًا دخول الأسواق المالية الغربية والتبادلات.
حتى مع وجود إدارة بايدن في الولايات المتحدة، وحكومة جونسون في المملكة المتحدة، وميركل في ألمانيا، لا يزال المال والسياسة السعودية عاملًا مؤثرًا قويًا في السياسة العالمية.