الليرة التركية.. العملة القلقة
ثاني أضعف عملات الأسواق الناشئة أداءً في 2020، تدخل 2021 على وَقعِ القلاقل السياسية والاقتصادية
ما الذي يمنع المسار الانحداري الممتد منذ 8 سنوات من الاستمرار؟
يتوق المتعاملون بالليرة التركية، التي تراجعت بنسبة 25% خلال 2020، للاعتقاد بأنَّ العام المقبل سيكون مختلفاً، بعد إعلان الرئيس رجب طيب أردوغان بشكل مفاجئ تبني سياسات اقتصادية جديدة.
وبلغت أزمة الليرة التركية ذروتها عندما قرر أردوغان إقالة محافظ البنك المركزي مراد أويسال، بالتزامن مع استقالة صهر الرئيس من منصب وزير المالية براءت ألبيرق.
وبالرغم من أنَّ خطوة محافظ البنك المركزي الجديد ناجي إقبال برفع سعر الفائدة الرئيسي إلى 15%، وتبنّيه سياسة مُتشددة تجاه التضخم، بدأت تسهم بالتخفيف من حدَّة تراجع الليرة للعام الثامن على التوالي، لكن المستثمرين يريدون دليلاً على أنَّ التحول في هذا الاتجاه هو أكثر من مجرد مناورة مؤقتة.
لا احتياطات.. لا انتخابات
يجسد انخفاض الليرة القلاقل التي شهدتها تركيا خلال العقد الذي أوشك على الانتهاء، فقد أدَّت الاضطرابات السياسية والأخطاء، على صعيد السياسة المالية والنقدية إلى تآكل الثقة في الاقتصاد البالغ حجمه 750 مليار دولار.
ومن أجل دعم العملة المتدهورة؛ باعت البنوك التركية أكثر من 100 مليار دولار خلال 2020 فقط، وفقاً لبنك الاستثمار العالمي “غولدمان ساكس”.
وجرى تداول الليرة التركية عند أدنى مستوى لها على الإطلاق عند 8.58 مقابل الدولار في 6 نوفمبر 2020، مقابل 1.54 لكل دولار في 31 ديسمبر 2010.
ويرى فيكتور زابو، كبير مديري قسم الدخل الثابت في “أبردين” لإدارة الأصول في لندن، أنَّ التحوُّل إلى السياسة الاقتصادية الجديدة، “سيستمر على الأرجح لبعض الوقت، إذ لا توجد احتياطيات أجنبية متبقية لاستخدامها، ولا انتخابات قريبة. ومع ذلك، إذا بدأت الأمور بالعودة إلى طبيعتها؛ فهناك دائماً خطر حدوث انحراف عن السياسة الجديدة “.
صراع السياستين النقدية والمالية
نجمت أحدث نوبة ضعف لليرة، عندما فاجأ البنك المركزي التركي المتداولين في أكتوبر بإبقاء أسعار الفائدة عند 10.25% بدلاً من رفعها.
ويولي أردوغان أهمية قصوى للنمو الاقتصادي، وخلق فرص العمل، وقد أزعج الأسواق المحلية مراراً وتكراراً بوجهة نظرٍ غير تقليدية؛ مفادها أنَّ رفع أسعار الفائدة يؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم.
وبعد أن انخفضت الليرة إلى مستوى قياسي في بداية نوفمبر، أدَّى تغيير أردوغان لفريقه الاقتصادي إلى ارتفاعها بأكثر من 10% خلال عدة أيام.
وفي حين أنَّه يجري تداول الليرة في نطاق يمكن التنبؤ به، إلى حدٍّ كبير منذ ذلك الحين، إلا أنَّها لا تزال على مسار أسوأ انخفاضاً لعملة في الأسواق الناشئة خلال العام الحالي بعد البيزو الأرجنتيني.
وارتفعت الليرة قليلاً إلى سعر 7.82 لكل دولار صباح البارحة الثلاثاء اليوم، بتوقيت اسطنبول.
ويَعدُّ أولريش لوختمان، رئيس استراتيجية العملة في “كوميرزبانك إيه جي” في فرانكفورت أنَّ “ما نراه من تحسن في سعر صرف الليرة حالياً ناجم عن الأمل، بأنَّ السياسة النقدية ستأخذ مساراً تقليدياً في المستقبل. لكن الاختبار الحقيقي سيأتي عندما تُضرّ السياسة النقدية بأداء الاقتصاد الحقيقي”.
ذكريات 2018
وأعاد الهبوط العنيف للعملة التركية، وتعافيها المحدود لاحقاً، إلى الأذهان أزمة الليرة عام 2018.
ويلفت لوختمان إلى أنَّ المسؤولين الأتراك لم ينجحوا في استمرار تبني سياسة نقدية متشددة (رفع أسعار الفائدة) في أعقاب ذاك الانهيار، مما مهد الطريق في نهاية المطاف إلى تراجع العملة خلال العام الحالي.
مضيفاً: “يصعب التنبؤ أكثر من أي وقت مضى”؛ فيما إذا كان المسؤولون الأتراك سيتصرَّفون بطريقة مختلفة حالياً.
وسيحصل المستثمرون على فرصة لتلمس نوايا الحكومة التركية عندما يُفصح محافظ البنك المركزي التركي الجديد ناجي إقبال عن السياسة النقدية لعام 2021.
وكذلك في الأسبوع، ستجتمع لجنة السياسة النقدية بالمركزي التركي، مع توقُّعات عالية برفع آخر للفائدة عن معدلها الحالي البالغ 15%.
وبحسب بيوتر ماتيس، محلِّل العملات في “رابو بنك” في لندن، فإنَّ الليرة يمكن أن ترتفع العام المقبل، وقد تصل قيمتها إلى ما دون 7 ليرات لكل دولار، وقد يتواصل اتجاه الصعود؛ “طالما يبقي أردوغان على دعمه للفريق الاقتصادي الجديد”.
وإذا تمكَّنت واشنطن وأنقرة من تحسين العلاقات أيضاً، بعد أن فرضت الولايات المتحدة عقوبات خفيفة على تركيا بسبب شرائها لمنظومة “إس 400” الروسية، “فسيؤدي ذلك إلى صعود إضافي للعملة التركية”؛ وفقاً للمحلل الاقتصادي في شركة “كوكس بارتنرز” في لندن هنريك جولبيرغ. متوقعاً أن يجري تداولها بسعر ما بين 7.25 و7.50 ليرة للدولار في النصف الأول من 2021، وسط ضعف إضافي متوقَّع للعملة الأمريكية أيضاً.
دوامة الشك
في حين يبدو أنَّ السياسات الجديدة تسير في الاتجاه الصحيح حالياً، فقد تعرَّض متداولو الليرة للخسائر في كثير من الأحيان، بما يكفي لتزعزع ثقتهم بالمسؤولين.
ويتماشى مع هذا الشك رأي أولريش لوختمان بأنَّه “غير مقتنع” حتى الآن بتغيير الحكومة التركية لتوجهات السياسة الاقتصادية، متوقعاً أن تنخفض الليرة إلى 8.75 لكل دولار مع نهاية 2021، أي بهبوط بنحو 10% عن المستويات الحالية.
وكان الرئيس التركي أردوغان أشار إلى هشاشة سعر العملة في اجتماع مع رجال أعمال في أنقرة عشية قرار البنك المركزي برفع الفائدة في 19 نوفمبر. وواصلت الليرة انحدارها لفترة وجيزة حتى وصلت نسبة إلى 1.1%، بعد تحذيره المستثمرين من أنَّهم قد يتعرضون “للسحق” بسبب ارتفاع أسعار الفائدة.