بعد مرور 10 سنوات .. هذا ما حققته ثورة الياسمين
عشر سنوات مرت على ثورة الياسمين في تونس التي انطلقت شرارتها من محافظة سيدي بوزيد، في مثل هذا الشهر من عام 2010، لتطيح بالرئيس السابق زين العابدين بن علي الذي حكم البلاد بقبضة بوليسية لأكثر من 23 سنة.
ثورة أمل من خلالها التونسيون في تكريس الديمقراطية والحرية والقطيعة مع ثقافة الحزب الواحد والحاكم الواحد، ورغبت من خلالها الطبقة المفقرة في نيل مستقبل واعد تتوفر فيه فرص العمل وتحقق فيه التنمية للجهات المكلومة وخاصة منها الداخلية التي لم ترى من “التمييز الإيجابي” سوى النصف الأول من المفردة.
ومثل كل سنة، يتجدد السؤال في أذهان التونسيين بمختلف أطيافهم ما الذي تحقق من آمالهم وهل كانت الثورة نقلة أم نقمة؟
مكسب الحرية
“أعتقد أن تونس هي الاستثناء المشرق وسط الدول العربية الأخرى التي تحوّل ربيعها المزهر إلى شتاء تزرع فيه بذور القمع والحروب الأهلية والفوضى”، بهذه العبارات يلخّص سمير فيالة وهو ناشط في المجتمع المدني بمحافظة القيروان الثورة التونسية.
يقول فيالة لـ “سبوتنيك” إن: المكسب الأهم الذي ناله التونسيون من ثورتهم هو الحرية التي رسمت الخطوط العريضة للنظام الديمقراطي الذي تنتهجه تونس منذ 2011 بغض النظر عن جميع هناته.
ويضيف:” ليس من السهل أن يعيش التونسيون الذي ورثوا الاستعباد والضيم لأكثر من عقدين من الزمن لحظة الانتخابات الحرة والنزيهة وأن يضعوا اختياراتهم داخل صناديق الاقتراع دون ضغط أو رقابة من مخبري النظام.”
ولا ينفي فيالة وجود عراقيل ومشاكل تحول دون شعور التونسيين بالرضا عن مآل ثورتهم، خاصة في ظل المشاكل الاجتماعية وتفاقم نسب البطالة التي فاقت 18 بالمائة، لكنه لا يتخلى عن اعتقاده الراسخ بأن الفقر لا يتعايش مع الديمقراطية، ولأن الحرية هي الطريق نحو تحقيق الرخاء الاقتصادي والاجتماعي.
ويقول فيالة “من الطبيعي أن تعقب الثورة سنوات عجاف، فتونس ما تزال تلتمس طريقها على جميع الأصعدة، وما تزال هناك تساؤلات عن جدوى النظام السياسي الحالي وإن كان مناسبا لتحقيق انتظارات الشعب، وعما إذا كانت النخب الحاكمة هي الأكثر انسجاما مع مسار الثورة”.
وتابع “الشيء الوحيد الذي نحن متيقنون منه هو أن الشعوب تنتصر لإرادتها في النهاية وأن شاعر الخضراء أبو القاسم الشابي كان صادقا في قوله: إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر”.
شهداء التهميش وجرحى الإهمال الحكومي
ولا يختلف “عادل بن غازي” المكلف بملف شهداء الثورة وجرحاها في أن الحرية مكسب عظيم يصعب أن يفلت مجددا من التونسيين، مستطردا في حديثه لسبوتنيك “لكن الثورة التي لخّصها شعار شغل حرية كرامة وطنية بقيت مبتورة وما تزال المطالب هي نفسها منذ سنوات”
وأوضح أن “حناجر التونسيين صرخت بمطالب لم يرى جلها النور رغم مضي نحو عشر سنوات على انتفاضتهم، أولها ملف شهداء الثورة وجرحاها الذي بقي في الرفوف وهو الذي صنّف على كونه أولوية وطنية.
وأكد بن غازي أن القائمة الرسمية لشهداء الثورة وجرحاها لم تنشر إلى اليوم في الرائد الرسمي، رغم صدورها في مارس/ آذار 2018 أي قبل عامين، ورغم نشرها لدى الهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2019.
واعتبر أن جميع الحكومات المتعاقبة بعد الثورة أدارت ظهرها لهذا الملف وضربت عرض الحائط بتضحيات التونسيين الذي قدموا دمائهم في سبيل أن ترى تونس نور الحرية والديمقراطية.
ويقول بن غازي: “تنكرت لهم السلطات التونسية في مرحلة أولى بتخفيض عددهم الأصلي من 380 شهيدا إلى 129، ومن 1700 جريحا إلى 634 فقط، وتنكرت لهم في مرحلة ثانية بترك الجرحى يواجهون مصيرهم بمفردهم، حتى أن بعضهم توفي وهو ينتظر رصاصة الرحمة”.
ويضيف: “هؤلاء هم شهداء التهميش وجرحى إهمال الحكومات المتعاقبة”.
ويرى بن غازي أن العدالة الانتقالية بعد الثورة ما تزال متعثرة، لأسباب حصرها في تواصل ظاهرة الإفلات من العقاب وفي وجود أطراف سياسية تحاول جاهدة تعطيل المسار الثوري وإيهام التونسيين بأن زمن بن علي كان أفضل.
ويعتبر المتحدث أن من بين الأسباب الكامنة خلف تعثر التنمية وتحقيق المطلبية الاجتماعية هي الأطراف الحاكمة التي لم تستكمل القيادة نحو المسار الثوري وصبت اهتمامها على اقتسام كعكة السلطة متناسية أن الشعب الذي أوصلها للسلطة هو ذاته القادر على سحبها منها.
إنجاز إنساني منقوص
في الجانب الآخر، يرى السياسي والمعارض التاريخي أحمد نجيب الشابي في حديثه لـ “سبوتنيك”، أن الثورة حققت لتونس نقلة نوعية وألحقتها بركب الدول المتقدمة من جهة حرية التعبير وحرية الاجتماع وحرية التنظم السياسي والاحتكام لصندوق الانتخاب وإنشاء مؤسسات دستورية مستقلة.
وأضاف أن هذه الحرية سمحت بتحقيق تقدم في العديد من المجالات، أولها التعبير الفني الذي تخلص من قيود السلطة، فتحققت التعددية السينمائية والمسرحية والأدبية وغيرها.
وتابع “لكن ككل عمل إنساني مبني على النقصان، فإن الثورة لم تستكمل ملامحها الرئيسية، فمن الناحية السياسية هناك مؤسسات لم تكتمل وعلى رأسها المحكمة الدستورية التي تلعب دورا هاما في التعديل بين السلط وفي ضمان تطبيق الدستور وعدم الحياد عنه”.
ويعتبر الشابي أن الثورة أخفقت حتى الآن في تحقيق الطموحات الاقتصادية والاجتماعية للثورة التي بدأت كانتفاضة اجتماعية وانتهت إلى ثورة سياسية أطاحت بالنظام، قائلا إن: البلاد شهدت تقهقرا اقتصاديا واجتماعيا كبيرا في السنوات التي تلت الثورة.
وتابع “هذا التقهقر هو نتيجة طبيعية لأن البلاد لم تكن مهيأة للثورة والنخب كانت مقصية من الشأن العام ولم تكن متهيئة لاستلام الحكم”.
واعتبر الشابي أن الأزمة السياسية التي تعيش فيها تونس تدل على أنه لا بد من التفكير في تطوير النظام السياسي الحالي وتغيير القانون الانتخابي بشكل يضمن الجمع بين النسبية والقائمات الفردية وبطريقة تجعل النخب الحاكمة ممثلة لنوايا الشعب ومنفذة لطموحاته واستحقاقاته.