“أم إسرائيل الحديثة”… لم يمنعها حبها للفلسطيني ألبير فرعون من القول:” كل صباح أتمنى أن أصحو فلا أجد طفلا فلسطينياً على قيد الحياة”
عندما لبى اللبناني من أصل فلسطيني ألبير فرعون دعوة من المندوب السامي البريطاني في فلسطين، عام 1928، للاحتفال بعيد ملك بريطانيا، لم يكن يعلم أنه سيقع في غرام غولدا مائير، المرأة التي ستصبح لاحقاً أخطر رئيسة لوزراء إسرائيل.
في عام 1927 قرر ألبير فرعون، الذي كان يعيش في لبنان آنذاك، العودة إلى وطنه الاصلي فلسطين، وتحديداً إلى مدينة حيفا. صار يتنقل بين بيروت وحيفا إلى أن استقر في بلده. كان في الخامسة والثلاثين من عمره وقد ترك زوجته وأولاده في لبنان.
وبما أنه كان من نخبة المجتمع ومن عائلة ثرية، فقد تلقى دعوة من المندوب السامي للاحتفال بعيد ميلاد جورج الخامس ملك بريطانيا. وفي الحفل تعرف على غولدا مائير. كانت شابة في الثلاثين من عمرها تعمل في الوكالة اليهودية التي لعبت دوراً مركزياً في هجرة اليهود إلى فلسطين.
تقابلا في الحفل وتبادلا الإعجاب. وقد أحبته غولدا من النظرة الأولى، فالحب في تلك الفترة المبكرة لم يكن يعترف بالحواجز السياسية. وما أن طلع الصباح التالي حتى اتصلت غولدا بألبير ودعته إلى منزلها الثاني في حيفا، فيما كانت تسكن مع زوجها في تل أبيب. وتطورت العلاقة بينها بسرعة إلى غرام عاصف وصار يقضي بعض الليالي في بيتها سراً، حيث استمرت علاقتهما خمس سنوات كاملة.
بعد أعوام قالت غولدا:” كوني لست جميلة كان نعمة حقيقية، لقد دفعني هذا لتطوير قدراتي الداخلية”. كانت تمتلك مثل غيرها من النساء مشاعر عاطفية ورغبة في الحب.
عندما اكتشفت الوكالة اليهودية العلاقة الغرامية سارعت إلى إرسال غولدا مائير وعائلتها إلى الولايات المتحدة الأميركية. وقد اعترفت فيما بعد أنها كانت مستعدة للتخلي عن مبادئها الصهيونية من أجل حبها العربي. وبعد سبع سنوات قضتها في بلاد العم سام عادت إلى فلسطين لتنضم إلى نقابة العمال “الهستدروت”.
في عام 1949 اُنتخبت غولدا مائير عضواً في الكنيست الإسرائيلي الأول، وتنقلت بين الوزارات المختلفة إلى أن عُينت وزيرة للخارجية. وبقيت في هذا المنصب عشر سنوات بين الأعوام 1956 و1966.
عند أصبحت وزيرة إنتقلت للعيش في مدينة القدس، في بيت فلسطيني يتألف من طابقين يقع في حي الطالبية كانت العصابات الصهيونية قد هجّرت سكانه قبل عام 1948.
أقامت غولدا في فيلا “هارون الرشيد” التي بناها حنا بشارات وزوجته ماتيلدا فارس عام 1926. وبعد سنوات، عندما ضاقت بهما الحال، اضطرا لتأجير الفيلا لضباط بريطانيين وانتقلا للسكن في شقة صغيرة بالقرب من منزلهما الأصلي.
في عام 1948 استولت “الهاغاناه”، المنظمة العسكرية الصهيونية، على المنزل بعد أن تسلمت مفاتيحه من الانجليز، باعتباره من أملاك الغائبين.
وفي عام 1969، تقلدت غولدا الحكم بعد وفاة ليفي اشكول لتصبح المرأة الأولى والوحيدة التي تصبح رئيسة للوزراء في إسرائيل. لكن حرب اكتوبر 1973 والهجوم المباغت للعرب جعل البعض يتسأءل عن مقدرتها على قيادة البلاد. وهي التي قالت:” سأظل أحيا بهذا الحلم المزعج لبقية حياتي”.
اشتهرت غولدا بخطبها النارية والعدوانية لدرجة أن الكاتب الإسرائيلي بوعز بام قال عنها إنها ” أخطر رؤساء الحكومات في إسرائيل” على رغم أنها لا تعرف الحد بين ما هو مسموح وما هو ممنوع. فقد كانت تعقد جلسات الوزراء المصغرة في مطبخها، وهو ما حدث قبل حرب أكتوبر.
رغم كل ما قيل وسيقال تبقى غولدا مائير من أفضل ثلاثة رؤساء حكومات في إسرائيل تمتعوا بالكاريزما، إلى جانب مناحيم بيغن وبن غوريون، لدرجة أنها وُصفت بـ “الرجل الوحيد في الحكومات الإسرائيلية”، و”أم إسرائيل الحديثة”. لم يمنعها حبها للفلسطيني ألبير فرعون من القول:” كل صباح أتمنى أن أصحو فلا أجد طفلا فلسطينياً على قيد الحياة”.