معلومات عامه

التعليم على طريق الغد

خلال الموجة الأولى من جائحة فيروس كورونا العالمية، اضطر مليار ونصف المليار طالب في 160 دولة حول العالم إلى الدراسة في المنزل.

تراقب مؤسسة التدريب الأوروبية (ETF) استجابة أوساط التعليم والتدريب لجائحة كورونا في 29 دولة شريكة. وسمحت لنا عملية المسح هذه بمراقبة أنماط التغيير الاجتماعي التي من المحتمل أن يكون لها تأثير طويل المدى على كيفية ومكان تلقي التعليم، فضلاً عن قدرة جيل واحد على الأقل على الاندماج في سوق العمل وأن يصبح مساهماً ناجحاً في المجتمع. فيما يلي الاتجاهات الخمسة التي تم الاتفاق على أهميتها الحيوية للتنمية الاجتماعية والاقتصادية المستدامة بعد كوفيد-19.

الرفاهة لم تعد ترفاً، بل أولوية قصوى عند تصميم المناهج والعمليات التعليمية

بالنسبة للمتعلمين الصغار والمراهقين، قد تعني الجائحة أكثر بكثير من مجرد التعلم عبر الإنترنت. سيظل لهذه الأشهر تأثير دائم على أصغر فئة من جيل الألفية، وهي “الجيل زد” و”الجيل ألفا”، من حيث رؤيتهم للعالم وارتباطهم به. إنهم يستوعبون دروساً مختلفة حول التواصل والتحفيز الذاتي للتعلم والمسارات المهنية والحياتية المحتملة.

يُظهر تقرير اجتماعي اقتصادي صادر عن مؤسسة التدريب الأوروبية أن “شباب الخريجين والباحثين عن عمل الذين واجهوا بالفعل صعوبات في دخول سوق العمل معرضون الآن لخطر أكبر، حيث جمدت البلدان برامج التدريب المهني وغيرها من أشكال الدعم للخريجين الشباب”. وفي الوقت نفسه، “قد يؤدي ضعف الطلب وإستراتيجيات التوظيف المتحفظة إلى الحد من فرص العمل على المدى المتوسط”. إن عدم اليقين والتوتر اللذين يلوحان في أفق الشباب بينما ينتقلون من غرفة تعلم على الإنترنت على Zoom إلى غرفة أخرى لا يساعدان كثيراً في تعزيز قدرتهم على اكتساب معرفة أو مهارات جديدة أو اندماجهم الاجتماعي.

ومن الدول التي عالجت بشكل صريح الرفاهة والصحة العقلية كجزء من إستراتيجيتها لإدارة أزمة كوفيد-19 هي تركيا. فقد استُخدمت منصة التعليم الرقمي في البلاد (EBA) ومؤسسة الإذاعة والتلفزيون التركية (TRT) لضمان وصول التعلم عن بُعد إلى أكبر عدد ممكن من الأطفال (بما في ذلك الأطفال الذين يعانون من إعاقات سمعية)، مع تعزيزهما بخط مساعدة ودليل نفسي اجتماعي للطلاب وأولياء الأمور أُطلقا كتطبيق وكمصدر متوفر على شبكة الإنترنت. أتاح هذا الدليل المزيد من المحادثات المفتوحة حول ما اختبره الأطفال والآباء والمعلمون أثناء إغلاق المدارس، وطمأنهم إلى أن الشعور بالكرب ليس غريباً في ظل هذه الظروف.

تعلم مهارات العصر ضرورة يجب أن توفرها الأنظمة التعليمية

يولي الأفراد اهتماماً متزايداً للرفاهة كأولوية، خاصة هؤلاء الذين يهتمون أكثر بالعيش في مناطق ذات كثافة سكانية أقل، مستفيدين من الفرص الجديدة للعمل من المنزل بعد كوفيد-19. مع تحرك الشركات نحو العمل الذكي، هناك أيضاً إمكانية أكبر للبلدان الأصلية للحفاظ على العاملين الشباب من أبنائها الذين يعملون في مؤسسات في جميع أنحاء العالم، وبالتالي تقليل هجرة القوى العاملة. الوجه الآخر لهذه العملة هو أنه سيتعيّن على مقدمي التعليم مواكبة التحدي اللوجستي الجديد المتمثل في توزع الطلاب جغرافياً في أماكن مختلفة وربما حتى عبر مناطق زمنية مختلفة.

في ظل هذه الأوضاع، من الضروري التسلح بالمهارات العامة والقابلة للنقل. تحتاج أنظمة التعليم إلى تبني مهارات القرن الحادي والعشرين (المعرفة العلمية والمعرفة بأدوات تكنولوجيا المعلومات والإبداع والتعاون والفضول وحل المشكلات) بالتساوي مع الموضوعات الأخرى. مع تزايد عدد الوظائف التي يمكن أداؤها عن بُعد، هناك حاجة ناشئة لنوع معين من الذكاء الاجتماعي والعاطفي وقدرات الاتصال التي يمكن أن تساعد في نجاح عمل الفرق العالمية ومتعددة الثقافات عن بُعد.

الافتراض العام بأنه بمجرد وجود لقاح لكوفيد-19 سيتعافى الاقتصاد مرة أخرى وسيمكننا العودة إلى العمل كالمعتاد قد يكون تبسيطاً مفرطاً. ومع وجود العديد من المتغيرات التي لا تزال غير محددة، هناك خطر كبير من أن الفئات الضعيفة مثل الشباب سيتم تجاهلهم.

التعليم المدمج هو المستقبل

قد ننجذب للتصريح بأن التعلم الرقمي والتعلم عبر الإنترنت هما المستقبل، لكن الشهادات التي لا حصر لها التي جمعتها مؤسسة التدريب الأوروبية من الطلاب الذين يفتقدون حياتهم الاجتماعية في المدرسة تشير إلى أن مستقبل التعليم سوف يحتاج إلى المزج. التعلم المدمج – المرن عبر المكان والزمان – هو السياق الأكثر ملاءمة لنهج التعلم المستمر الذي تشتد الحاجة إليه.

وفي ظل مناخ اقتصادي تجتاحه التقلبات، لا سيما في ظل تأثير الجائحة، نشهد اهتماماً متزايداً بالدورات الدراسية التي تتناول موضوعات جزئية. يشهد سوق التعليم نفسه ظهور عوامل مُزعزعة، مثل المؤهلات المُصغّرة وأنواع جديدة من المؤهلات، في قنوات التعليم الأكثر شيوعاً.

وبحسب مسح كوفيد-19 الذي أجرته مؤسسة التدريب الأوروبية فإن “النتيجة الرئيسية من رد الفعل الملفت للنظر لأزمة كوفيد-19 هي إدراك أن التحول لا يقتصر على الانتقال للتعلم عبر الإنترنت، وإنما يشمل التحول إلى التعلم المستمر والتأكد من أن التعلم في متناول الجميع”.

القياس أول خطوة للتحسين

فقط من خلال تجربة التعاون عن بُعد والمهام الدراسية القائمة على المشاريع والتواصل عبر الإنترنت يمكن للمتعلمين أن يعدوا أنفسهم لما ينتظرهم بعد تدريبهم.

استجابت المفوضية الأوروبية من خلال إنشاء SELFIE، وهي أداة للتقييم الذاتي عبر الإنترنت تساعد المدارس على التفكير في كيفية استخدامها للتقنيات الرقمية. تم تطوير SELFIE بالشراكة بين مؤسسة التدريب الأوروبية والمركز الأوروبي لتطوير التدريب المهني (Cedefop) ومعهد اليونسكو لتكنولوجيا المعلومات في التعليم. أُطلقت الأداة في عام 2017 مع 67000 مستخدم في 650 مدرسة في 14 دولة، واستخدمها حتى الآن أكثر من 670.000 شخص في أكثر من 7300 مدرسة في 57 دولة، وما زال العدد في ازدياد. تُحدّث الأداة باستمرار، بل وتتوسع بوحدة مُخصصة للتعلم القائم على العمل. من خلال إجراء استطلاع SELFIE، يمكن للمدارس قياس وضع قدراتها الرقمية، من البنية التحتية إلى السلوكيات الأخلاقية عبر الإنترنت. يتم تمكين المدارس التي تستخدم أداة SELFIE من إجراء تحسينات حقيقية، من خلال الاستماع إلى أصوات جميع الأطراف المعنية: المتعلمين والمعلمين ومدربي وقيادات الشركات، وذلك عبر عملية التأمل الذاتي.

إشراك كل الأطراف المعنية على جميع المستويات هو مفتاح تعليم أفضل للجميع

لا يمكن تحقيق أي من هذه الأهداف دون شراكات واسعة بين جميع الأطراف المعنية، من وزارات التعليم والعمل إلى أرباب العمل والمنظمات غير الحكومية.

يمكن أن توفر الشراكات الواسعة بين القطاعين العام والخاص (PPP) منصات قوية للتعلم القائم على العمل. التدريب أثناء العمل ضروري، خاصة في التعليم المهني. ولكي يكون هذا خياراً مستداماً في مجموعات التعلم عن بُعد، يجب إتاحة حلول الواقع المُعزز والافتراضي، بالإضافة إلى أشكال جديدة من التنظيم لجميع المتعلمين.

هناك حاجة أيضاً إلى التعاون لتزويد كل طالب بما يلزم من أجهزة واتصال وبيئة مناسبة للتعلم في المنزل. يمثل الإنصاف مشكلة عند النظر في الوظائف التي يمكن أداؤها من المنزل وتحت أي ظروف ومن سيؤديها، ولذلك ترى مؤسسة التدريب الأوروبية أن هناك حاجة إلى مشاريع تتولى فيها الإدارات المركزية تسهيل مشاركة الموارد وفقاً للاحتياجات المحددة على أرض الواقع.

وعلى نطاق أوسع، فإن “إعادة تأسيس التعاون الدولي، بما في ذلك التعهيد الجماعي ومشاركة الموارد يمكن أن يسرع ويدعم هذا التحول”، على حد قول سيزار أونستيني مدير مؤسسة التدريب الأوروبية.

مع بداية العام الدراسي الجديد، تعرب مؤسسة التدريب الأوروبية عن تقديرها للجهود الهائلة التي تبذلها الحكومات والمجتمع المدني وأرباب العمل، وأخيراً وليس آخراً أولياء الأمور والمتعلمون، لمواصلة دفع التعليم قُدماً. يقول أونستيني “لاحظنا، من خلال الاجتماعات المنتظمة مع الأطراف المعنية الرئيسية وكذلك من خلال (…) حملة وسائل التواصل الاجتماعي #learningconnects أن البلدان مرت بمراحل مماثلة (…).

إن الطريقة التي تفاعلت بها البلدان يمكن أن تذكرنا جيداً بمنحنى التغيير. من الإنكار – «لن يستمر هذا طويلاً، بضعة أيام فقط» – إلى الصدمة والارتباك حيث تتخذ الدول قرارات بشأن كيفية منع وقوع الفوضى في أنظمتها، إلى حالة من «التقبل» على وجه الخصوص للمعلمين وأولياء الأمور وجميع المشاركين في التحدي المتمثل في تحويل هذا الوضع للأفضل، وأخيراً الانتقال لـ«البحث عن أفكار جديدة» والتوصل إلى عدد كبير جداً من الحلول والممارسات المبتكرة فيما يخص التسريع والتنفيذ السريع. وعندما يصل الناس عادة إلى هذه المرحلة في منحنى التغيير الخاص بهم فإن المرحلة التالية تكون هي البداية الجديدة”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى