د / نبيل العشري حماد / يكتب / الفساد الإداري وثقافة المنظمة
ان الفساد الاداري اشبه بالمرض الخبيث يصيب عضوا من الجسم وما يلبث الا ان يصيب كل اعضاء الجسم وتصبح عملية استئصاله شبه مستحيلة، و الفساد الاداري سيساهم في ترسيخ مفاهيم البيروقراطية وجعل القرارات انفرادية ، مما ينتج عنه اثار سلبية متعددة تقف في مقدمتها غياب القواعد ونظم العمل الرسمية وهيمنة الاجتهادات الشخصية والمزاجية في انجاز الأعمال وفقدان الرشد والحكمة في اتخاذ القرارات وغياب التحديد الواضح لحقوق المواطنين .وذلك يقود الى اضعاف الالتزام بالمسؤولية الاجتماعية واخلاقيات الأعمال والوظيفة وانحراف المنظمات عن تحقيق أهدافها والتشكيك بمصداقيتها هذا من جانب ومن الجانب الآخر قد يمتد ذلك ليصبح جزء من ثقافة المنظمة وشيء فشيء يصبح جزء من ثقافة المجتمع ويتم تبنيه على انه الحالة الصحيحة في المجتمع .وللقضاء على هذا الوباء يتطلب تفعيل وسائل الوقاية أولا لضمان عدم توسع المساحات الموجودة منه ثم تفعيل وسائل العلاج
للقضاء عليه .
وكان من أبرز مظاهر الاهتمام بمكافحة الفساد على المستوى الدولي، وضع اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد عام 2003؛ وذلك بغرض تنسيق الجهود الدولية فيما يتعلق بمكافحة الفساد، ووضع وتعزيز النظم الوطنية الكفيلة بمكافحته.بيد أن كل هذه المجهودات لم تحقق في الواقع نتائج إيجابية ملموسة، بل أصبح الفساد سلوكاً مقبولاً في بعض المجتمعات، لتتحول من فساد المجتمعات – والذي يكون فيه الفساد استثناء عن الأصل أو انحراف عن المألوف – إلى مجتمعات فساد يتم ممارسة الفساد فيها كأحد مسلمات التعامل مع غالبية المؤسسات ويسود فيها مفهوم ثقافة الفساد والذي يعني (تقبل وجود الفساد والتكيف معه)، وهو الأمر الذي أصبح معه الفساد هو القاعدة والصلاح هو الاستثناء، وما نتج عن ذلك من حدوث خلل في البناء الاجتماعي، وإهدار قيمة العمل الجاد، وعدم الاعتماد على القدرات الذاتية والشخصية في الاختيار والتقييم، فضلاً عن غياب العدالة الاجتماعية وما ترتب عليها من تفاقم مشكلتي الفقر والبطالة.
ان الممارسات أللأخلاقية في منظمات الأعمال والتي تتمثل في بعض جوانبها بممارسات فردية غير أخلاقية تتوسع شيئاً فشيء لتصيب الأفراد الآخرين مثل المرض المعدي الذي يتوسع ليصيب الاخرين وكنتيجة لذلك تصبح شيء مألوف وروتيني يمثل السمة العامة في المنظمة عندها سيكون ذلك جزء من ثقافة العاملين في المنظمة وسيتوسع ليصيب المنظمات الاخرى وتتوسع دائرة المشاركين فيهمن خارج وداخل المنظمة ويتوسع شيء فشيء ليصبح حالة طبيعية تمارس عند المنظمة .
وعلى الأغلب فان المنظمات التي يمارس فيها الافراد في المستويات الإدارية العليا القضايا غير الأخلاقية سيكون فيها الفساد الإداري جزء من ثقافة المنظمة وستشكل دعما لزيادة الفساد وبالتالي سيكون جزء من ثقافة المجتمع . وستكون معالجته غاية في الصعوبة كون الادارة العليا هي التي ساعدت على انتشاره من خلال القرارات التي تدعمه لذا لابد ان تبدأ وسائل الوقاية والعلاج في إعادة النظر في تقييم أهداف وخطط المنظمة كونها تعتمد على قرارات الادارة العليا وصولا إلى الإجراءات التنفيذية الروتينية في المستويات التنفيذية الدنيا، ومراجعة مدى اشتراك أي جزء من أجزاء المنظمة في زيادة مساحة الفساد فيها.
وستحتاج الأجزاء التي تساهم في زيادة مساحات الفساد الى تعديل اليات عملها وقد ينعكس هذا التعديل على الهيكل التنظيمي و طرق الاتصال ، قد يكون هناك تقييم لجزء أو كل المنظمة ويعتمد ذلك على تقييم مساهمة الأقسام المختلفة بالمنظمة في الفساد الإداري وإجراء التعديل عليها .
و القضاء على الفساد الإداري كثقافة لايعتمد على وسائل العلاج فقط بل يبدأ من وسائل الوقاية ويشكل هذا الجانب الثقل الأكبر في القضاء على هذه الظاهرة التي تضيق مساحاته وكلما زاد تفعيل هذا الجانب زادت الفرص بتفعيل الممارسات المضادة لانتشاره . ولعل احد أهم الوسائل في هذا هي القرارات الحكيمة والرشيدة التي تتخذها الإدارة العليا اللازمة لإنجاز الأعمال ومدى حكمة هذه القرارات .
أما وسائل العلاج ففي حقيقة الأمر هناك الكثير من وسائل العلاج لمشكلة الفساد لكنها ستكون غير فعالة إذا لم يتم تبنيها من قبل الإدارة العليا على مستوى الدولة والمنظمة. و منها أيجاد تشريعات قضائية خاصة تعالج مختلف ظواهر الفساد الإداري وبما يعزز الآليات الخاصة بضبطها وتنفيذ الروادع والعقوبات المتعلقة بها وتشديد العقوبة وتطبيقها بكل حزم على المستويات كافة التي يمكن أن تدان بممارسات يشوبها الانحراف والفساد.فضلا عن إصلاح النظام القضائي وتوفير الإمكانيات والحصانة والضوابط والمقومات التي تمكن الجهاز القضائي من القيام بعمله بشكل مستقل وبنزاهة واقتدار وان يكون بمنأى عن مثل هذه الظواهر العلاجية .
كم أن تفعيل وتقوية أدوار الأجهزة الرقابية الداخلية والخارجية فضلا عن التجمعات والأطراف المتلقية للخدمات والبرامج الحكومية من جماهير المواطنين.وزيادة مساحة صلاحياتها سيكون احد الحواجز المهمة أمام الممارسات أللأخلاقية غير الصحيحة.
ومهما كانت هذه الوسائل فإنها ستكون غير فعالة أذا ما كان الفساد الإداري يشكل جزء من ثقافة المنظمة.
ومن هنا تتضح أهمية التركيز على دور الثقافة التنظيمية وأخلاقيات العمل كوسيلة للإصلاح الإداري ومكافحة الفساد.وتأتي أهمية الثقافة التنظيمية للمنظمة في أنها تؤثر بشكل كبير على تحديد ملامح المسؤولية الأخلاقية للموظف المنتسب إليها، وترسيخها في وجدانه، وتحديد مدى قدرته على تغليب المصلحة العامة على مصلحته الشخصية.
إن خلق تلك الثقافة التنظيمية هو أمر شبيه بالتنشئة الاجتماعية للطفل، فهي قيم يتم تعليمها للأفراد منذ البدايات، وحتى من خلال الممارسات اليومية للوالدين.
وتتلخص الآليات الرئيسية لتكوين ثقافة تنظيمية وفعالة، تسهم في تعزيز الشفافية والنزاهة بالمنظمات، ومكافحة الفساد فيما يلي:
- حسن اختيار الموظفين.
- الممارسات الإدارية المطابقة للسياسات.
- التدريب: أن التدريب الهادف إلى عملية التغيير في الثقافة السائدة ، أمر يستلزم وقتا طويلا ويواجه مقاومة عنيفة، لا سيما إذا كانت الثقافة المراد تغييرها ثقافة قوية وراسخة في أذهان العاملين .
- وضع ميثاق لأخلاقيات الوظيفة العامة ويقصد به مجموعة القيم العليا التي تعمل على تكوين الضمير الاجتماعي، وترسيخ الأخلاق في نفس الموظف العام.
من المؤكد أن الثقافة المجتمعية الرافضة للفساد والتى تعبر عن مجموعة القيم الأخلاقية والمبادئ والأعراف السائدة في المجتمع، والتي تنظر إلى الفساد باعتباره سلوكاً معيباً ومرفوضاً، تلك الثقافة التي تعكس الولاء بين المواطن والدولة التي ينتمي إليها، وتمثل في ذات الوقت حجز الزاوية لمكافحة الفساد وللعمل البناء في خدمة المجتمع.