الفساد الإداري ( أسبابه – آثاره – أليات مكافحته) / بقلم / دكتور نبيل العشري حماد
یمثل الفساد الإداري أحد التهديدات الرئيسة للأجهزة الإدارية في الدول المتقدمة والنامیة على حد سواء فأتساع دائرته لیصبح جزء أساسي في المعاملات الیومیة وتشابك حلقاته وغموض الوسائل والأسالیب التي یتم أتباعها من قبل الفاسدین قد أدى الى أن أصبح الفساد الإداري والمالي مهدد أساسي لمسیرة التنمیة ولمستقبل شعوب هذه الدول ، وهو سلوك ذاتي سيء ینعكس على الآخرین وتتم ممارسته من قبل موظف الحكومي الذي له سلطات بموجب القانون ویستغل الوظیفة العامة استغلالا سیئا بالاستجابة لتأثیرات مادیة أو غیر مادیة فتتحول الوظیفة العامة من وسیلة لإدارة الشأن العام وخدمته ومن كونها تكلیفا قانونیا وأمانة وطنیة مقدسة الى سلعة یتم المتاجرة بها لتحقیق المصلحة الخاصة على حساب المصلحة العامة.
وأيماناً من الدول والمنظمات الدولية بخطورة الفساد وأثاره المدمرة على إمكانيات الدول والمجتمعات والشعوب فقد سعت الأمم المتحدة إلى وضع اتفاقية دولية لمكافحة الفساد بغرض تنسيق الجهود الدولية لمكافحته ،وبالفعل وضعت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التى اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب قرارها رقم 4/58 المؤرخ فى 21/10/2003 و قد انضم لهذه الاتفاقية العديد من الدول ومن بينها مصر أيماناً منها بأن قضية مكافحة الفساد لم تعد شأناً داخلياً خالصاً بل ان الأمر يحتاج إلى تضافر الجهود الدولية لمواجهته وكذا تدعيم النظم الداخلية حتى تكون أكثر فاعليه فى مكافحته .
وقد تضمن الدستور المصرى المعُدل عام 2014 فصلاً للهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية من المادة 215 حتى المادة 221،المواد من 215 حتى 217 تضمنت تمتع الأجهزة الرقابية بالشخصية الاعتبارية والإستقلال الفنى والمالى والإدارى ويؤخذ رأيها فى مشروعات القوانين واللوائح المتعلقة بمجال عملها وتمنح ضمانات واستقلالية وحماية لأعضائها بما يكفل لهم الحياد والإستقلال ويعين رئيس الجمهورية رؤسائها بعد موافقة مجلس النواب لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد لمره واحدة ولا يُغفى أى منهم من منصبة إلا فى الحالات المحددة بالقانون وتعد من تلك الهيئات البنك المركزى ، الهيئة العامة للرقابة المالية ، الجهاز المركزى للمحاسبات ، هيئة الرقابة الإدارية ، المادة 218 ” تلتزم الدولة بمكافحة الفساد وتلتزم الهيئات والأجهزة الرقابية المختصة بالتنسيق فيما بينها فى مكافحة الفساد ، وتعزيز قيم النزاهة والشفافية ، ضماناً لحسن اداء الوظيفة العامة ووضع ومتابعة تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد بالمشاركة مع غيرها من الهيئات والأجهزة المعنية “.
ووضع البنك الدولي تعریفا للأنشطة التي تندرج تحت تعریف الفساد كما یأتي:
إساءة استعمال الوظیفة العامة أو السلطة العامة للكسب الخاص فالفساد یحدث غالبا عندما یقوم موظف بقبول رشوة أو طلبها أو ابتزازها لتسهیل عقد أو إجراء طرح مناقصة عامة، كما یأتي عندما یعرض وكلاء أو وسطاء لشركات أو أعمال خاصة بتقدیم رشوة للإفادة من السیاسات أو إجراءات عامة للتغلب على المنافسین وتحقیق إرباح خارج إطار القوانین المرعیة ، كما یمكن للفساد إن یحصل عن طریق استغلال الوظیفة العامة دون اللجوء إلى الرشوة وذلك بتعیین الأقارب او سرقة أموال الدولة مباشرة.
1/ أسباب الفساد الإداري :
تقف وراء شیوع ظاهرة الفساد الإداري وراء وجودها أسبابا عدیدة منها سیاسیة واقتصادیة واجتماعیة وثقافیة:
أولا: الأسباب السیاسیة:
الفساد الإداري ینتشر في المجتمعات التي تتصف بضعف الممارسة الدیمقراطیة وحریة المشاركة في إدارة شؤونها العامة ، فغیاب دولة المؤسسات السیاسیة والقانونیة والدستوریة وضعف الحكومة وغیاب عناصر الحكم الصالح وضعف الدور الرقابي .
ثانیا: الأسباب الاقتصادیة:
ان ضعف الأداء الاقتصادي للمؤسسات الحكومیة وعدم التوزیع العادل للثروة بین أفراد المجتمع وانخفاض الرواتب والأجور في ظل ارتفاع الأسعار وانتشار الفقر
وارتفاع معدلات البطالة ومحدودیة فرص التوظیف وسوء التخطیط باستخدام الموارد ، كل ذلك یؤدي الى انتشار الفساد الإداري والمالي.
ثالثا :الأسباب الاجتماعیة والثقافیة:
تلعب المنظومة القیمیة والموروثات الاجتماعیة والثقافیة بما تتضمنه من معتقدات مشتركة بین أفراد المجتمع دورا كبیرا في بناء العلاقات الاجتماعیة وتنظیمها على أسس صحیحة ، فالولاء العائلي والقبلي أو الحزبي، وارتفاع مستویات الجهل وقلة
الوعي الثقافي وضعف الشعور الوطني كل هذه العوامل تؤدي الى انتشار ظاهرة الفساد كما أن عدم وجود سیاسة واضحة للمؤسسة الإداریة وجمود القوانین وعدم تطورها وعدم وضع الموظف الإداري المناسب في المكان المناسب، الى جانب ضعف الوازع الدیني وغیاب الضمیر تلعب دوراً كبیرا في دفع هذا الموظف إلى أن یصبح أولا یصبح الفساد جزء من سلوكه الإداري.
2/ أثار الفساد الإداري:
یعد الفساد الإداري ظاهرة عالمیة تنتشر بصورة سریعة في نواحي الدولة السیاسیة والاقتصادیة والاجتماعیة وتختلف درجة انتشاره تبعا لتطور مؤسسات الدولة .
في الجانب السیاسي یؤدي انتشاره الى تدمیر العملیة السیاسیة لأنه من العوامل التي تحول دون أقامة الدیمقراطیة فانتشاره في داخل السلطة السیاسیة یمنع وجود مطالبات حقیقیة بالدیمقراطیة التي تقوم على محاسبة النظام السیاسي ومساءلته ، فهو یقوض شرعیة الدولة ویضعف المسؤولیة المؤسساتیة للحكومة حیث لا یحترم القانون لأنه یفتقد الى العدالة في التطبیق ویتم عرقلة سیر الأداء الحكومي وأضعاف ثقة المجتمع بالنظام السیاسي وبالتالي أضعاف شرعیة الدولة وتقویض الثقة بالقوانین والمسئولین .
أما في الجانب الاقتصادي فتتمثل أثار الفساد الإداري والمالي بالسیاسات الاقتصادیة الخاطئة وسوء توزیع الثروة والدخل ، وینحرف بالموارد عن الخدمات الأساسیة ویدمر عملیة التنمیة الاقتصادیة وذلك من خلال استغلال أصحاب النفوذ لمواقعهم الممیزة في النظام السیاسي مما یتیح لهم الاستئثار بالجانب الأكبر من المنافع الاقتصادیة التي یوفرها النظام من دون استثمار هذه الموارد في خدمة المجتمع، ویساهم الفساد في التقلیل من فرص وحجم موارد الاستثمار الأجنبي وفي تدني الاستثمار العام وأضعاف جودة البنیة التحتیة العامة وتشویه المناخ الاستثماري والتقلیل من حجم الاستثمارات وفرص العمل .
أما اجتماعیا فالفساد الإداري والمالي هو عبارة عن انتهاك قواعد السلوك الاجتماعي ویعبر عن تفسخ منظومة القیم الاجتماعیة وضعف المبادئ والقیم الأخلاقیة العلیا ، وأن انتشاره یؤدي الى الإحباط وانتشار اللامبالاة بین أفراد المجتمع وبروز التطرف في الآراء وعدم تكافؤ الفرص ویؤدي الى سوء توزیع الدخل والثروات واستغلال أصحاب السلطة والنفوذ لمواقعهم ومناصبهم الممیزة في المجتمع والدولة الأمر الذي یكرس التفاوت الاجتماعي وتراجع العدالة الاجتماعیة وتدني المستوى المعاشي لأغلبیة أفراد المجتمع ویؤدي انتشاره الى الفقر الواسع الانتشار والمتواصل وتدمیر النسیج والاستقرار الاجتماعي الذي یریده المجتمع ویتراجع الاهتمام بالحق العام والشعور بالظلم لدى الغالبیة مما یؤدي الى الاحتقان الاجتماعي وتصاعد حالات العنف والانقسام في المجتمع والحقد بین شرائح المجتمع .
وأوضح مؤشر الفساد بتقرير هيئة الرقابة الإدارية نتائج مظاهر الفساد الإداري فجاءت الرشاوى والهدايا والإكراميات في المرتبة الأولى بنسبة 12.4 %، ومجاملة الأقارب والاعتماد على المعارف لتسهيل الإجراءات الحكومية في المرتبة الثانية بنسبة10.7%، وإساءة استغلال المال العام في المرتبة الثالثة بنسبة 7.6 %، والاستيلاء على المال العام فى المرتبة الرابعة بنسبة 4.8 %..
3/ آلیات مكافحة الفساد الإداري والمالي:
إ ن تعقد ظاهرة الفساد الإداري والمالي وإ مكانیة تغلغلها في جوانب الحیاة الإداریة ونتائجها السلبیة قد دفعت الى وضع عدة آلیات لمكافحتها واحتوائها ومن ثم القضاء علیها ومنها:
١- الإصلاح الإداري بالتخلص من السلوك الأداري الفاسد وتحسین الإدارة العامة من خلال وضع نظام عادل للتعیین وتقییم أداء الموظفین والمسؤولین وترقیتهم، وزیادة رواتب الموظفین وتحسین مستوى المعیشة والعمل على أصلاح نظام الخدمة المدنیة من خلال معالجة الأسباب المنشئة للفساد الفساد الإداري والمالي.
٢- تفعیل دور المؤسسات الرقابیة والتي لها الحق في الأشراف ومتابعة حالات الفساد الإداري والمالي وتعزیز المسائلة والمحاسبة للأشخاص الذین یتولون المناصب العامة .
٣- سن قوانین واضحة وصریحة وتنظیمات أداریة متطورة ، وإ نشاء مؤسسات وأجهزة تنفیذیة ورقابیة عالیة الكفاءة تساندها أرادة سیاسیة حازمة لمتابعة حالات الفساد الإداري والمالي.
٤- متابعة الموظفین الحكومیین ومساءلتهم واستجوابهم أمام رؤسائهم عن نتائج أعمالهم وان یكون هؤلاء الرؤساء مسؤو لین بدورهم أمام السلطة الأعلى منهم وفقا للتسلسل الإداري.
٥- الإصلاح الاجتماعي وذلك بالعمل على زیادة وعي الناس بمخاطر الفساد والتأكید على دور الأسرة والمدرسة في غرس القیم الدینیة والأخلاقیة .
٦- الإصلاح السیاسي وذلك من خلال بناء نظام سیاسي دیمقراطي یتسم بالحریة التنافسیة والقابلیة على المحاسبة وأن یكون ملتزم ومقتنع بمحاربة الفساد ، ،وأن یحاسب كبار الفاسدین في مؤسسات الدولة كما یحاسب صغارهم .