محمد كشك يكتب / لماذا يا أم الدنيا؟
إعتاد صديق من بلد عربى شقيق أن يهاتفنى بإستمرار للإطمئنان على والأسرة حيث تجمعنا صلات وثيقة لعقود، وتطرق للحديث عما يواجه مصر من تحديات داخلية وخارجية ودعوات أن يحفظ شعبها من كل مكروه، ثم فاجئنى بسؤال بلهجته المكسوة بمحاولات تقارب مع اللهجة المصرية: ليه يا أم الدنيا كده؟
ظننت للوهلة أن هناك مشكلة في أعماله التجارية أو ما إلى ذلك، إلا أنه إستطرد قائلاً: عندكم في مصر كوادر هامة تتمناها الدول العربية بل ودول أوروبية ومع ذلك فأنتم لاتستفيدون منها حق الإستفادة وفى أحيان كثيرة لاتقدرونها حق التقدير رغم أنكم تحتاجونها للعبور من مرحلة التحديات إلى آفاق المستقبل بطموحاته. حاولت أن أوضح له أن ذلك كان في أزمنة فاتت ولم يعد الوضع كسابقه بدليل التقدير الذى تحظى به شخصيات كثيرة، فباغتنى وماذا عن المرحوم الدكتور محسن عادل؟ ألم تتركوه نهب للأحقاد وممارسات مهينة رغم أن الرجل كان ممتلئاً بحب الوطن والخير للجميع! وذكر لى شخصيات عديدة وتجاربهم السيئة في محاولاتهم لخدمة أم الدنيا وقال لى أنه كان يتمناهم مواطنين في دولته ليحظوا بالتقدير المناسب.
ووسط طوفان المشاعر المتأججة بحب أم الدنيا طفا إسم السفير أحمد شهاب وفرض نفسه محوراً للحديث، وللحق فقد تردد هذا الإسم من قبل ذلك على مسامعى مرات عديدة من قانونيين ورجال إقتصاد بل ودبلوماسيين مرات بالإشادة بحنكته القانونية وأخرى التثمين على أفكار لها علاقة بالإدارة الاقتصادية والسياسات العامة وإن إجتمعت الآراء على حسن الخلق وخفة الظل التي يغلف بها عرضه للموضوعات. وقد إستفز الحماس الشديد الذى تحدث به الصديق العربى فضول الصحفى داخلى فبدأت رحلة البحث عن أخبار هذا الرجل والتى إختفت عن الصحافة منذ أن رحيله المفاجئ من موقعه كنائب لرئيس هيئة الإستثمار منذ أكثر من عامين.
على مدار ما يقرب من أسبوعين وجدتنى أحمل موضوعات عن السفير أحمد شهاب ربما تحتاج إلى عشرات المقالات بعد إستبعاد ما هو بطبيعته محاطاً بالسرية لإعتبارات الأمن. فالرجل بشهادة بعض المصادر الموثوق في حكمتها وعلمها يعد من رجال القانون المتعمقين في مجالات تحتاجها أم الدنيا، وكان مسئولاً عن ملف هام يديره بذكاء وعلم حتى ظن بعض الطامعين المتنطعين أن الحل في إبعاده حتى يمكنهم جنى ثمار النجاح أمام السيد الرئيس، فرضخ الرجل في هدوء يحسد عليه، ويشهد هذا الملف من وقتها إرتباكاً لايعلم أحد التبريرات التي تساق للسيد الرئيس للتغطية على هذا الإرتباك والفشل. ذكر لى أحدهم أن أحمد شهاب لديه مستودع من الأفكار والخبرات ذات مزيج لامثيل له بين البعدين القانوني والإقتصادى. وقد وافانى أحد الأصدقاء بسيرته الذاتية وإن أضاف لها من واقع معرفته الشخصية بالرجل كإنسان.
ووسط هذا السيل من المعلومات ظننت أننى بصدد شخصية يتم إعدادها لتولى إحدى الحقائب الهامة فى مصر، وربما يكون هذا هو السبب في توارى أخباره إعلامياً، إلى أن كانت المفاجأة بأن الرجل تم تعيينه سفيراً لمصر في الفلبين!!!
بالطبع ليس تقليلاً من الدولة الصديقة، ولكن عندما ترى من هم أقل منه بكثير وقد وضعت الدولة ثقتها فيهم بالتعيين في مناصب ومواقع مرموقة، ويستحيل تفسير ذلك وفقاً للمعايير الموضوعية، فيفرض سؤال صديقى العربى نفسه: لماذا يا أم الدنيا؟