مقالات

العائد من التعليم / بقلم / دكتور نبيل العشرى

عندما حرص آباؤنا على الاهتمام بتعليمنا لم يكونوا بحاجة الى اثبات ولم يبحثوا عن دليل يؤكد ان التعليم مدخل للرفعة والتغيير وما يعنيه ذلك من القوة الإنتاجية والأخلاقية والاجتماعية والمالية ، والآن هناك من يشكك بأن ما يستثمره من وقت ومجهود وأموال في التعلم سيعود عليه بنفع يزيد على مدخلات هذا الاستثمار.
للتعليم عائدات و مردود اقتصادي على المستوى الفردي أو الجماعي ، و سواء كانت هذه العائدات مباشرة أو غير مباشرة ،إلا إن هنالك صعوبات قد واجهت قياس مثل هذه العائدات ، و تؤكد الدراسات الحديثة في هذا المجال ان للتعليم بعدين هما :
البعد الاول:- بعد استهلاكي و يتمثل في تزويد الافراد بالوسائل التي تمكنهم من تحقيق حياة افضل و الاستمتاع بالتعليم .
البعد الثاني :- بعد استثماري : و يتمثل في اعتبار التعليم توظيفا مستمرا لرؤوس الاموال يعود بمردود يزيد عن المردود للأموال التي توظف في أي مجال زراعي او صناعي او تجاري.
1/ مفهوم عائدات التعليم :
يشير مفهوم عائدات التعليم الى مجموع المخرجات التي يكون التعليم سبب فيها ، سواء كان بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ، بحيث تشمل هذه المخرجات مخرجات على المستوى الفردي أو على المستوى الاجتماعي ، و الذي بدوره يعمل على تحقيق التنمية الاقتصادية و الاجتماعية او التنمية الشاملة القومية
وفي هذا المقام لا بد من التفريق بين معنى عائدات التعليم ومعدل العائد على التعليم الذى يعرف بأنه الزيادة النسبية في دخل الفرد المتأتى من العمل في سوق تنافسي للعمل نتيجة زيادة سنوات الدراسة بسنة واحدة، كما يعرف ايضا بـــ : النسبة بين الإنفاق على التعليم و العائد من ذلك الإنفاق مقدرا بالنسبة المئوية ، او بقسمة العائدات على النفقات مضروبا بمئة .
2/ انواع عائدات التعليم:
تأخذ عائدات التعليم المظاهر التالية :
أولاً :- العائدات المباشرة: و تبرز هذه العائدات من خلال مظهرين هما ; العائدات الفردية و العائدات الاجتماعية
أ – العائدات الفردية :
و تعني الدخول الاضافية التي يحصل عليها الافراد بسبب من مستوياتهم التعليمة ، على ان حساب هذه الدخول الاضافية يتم من خلال مقارنة دخول الافراد الذين بلغوا مستويات تعليمية معينة مع دخول اولئك الذين الذين لم يبلغوا أي مستويات تعليمية خلال فترة حياتهم الفعالة ، و العائد الفردي يشتمل على الانواع التالية من الدخول :

  • الدخل النقدي : و هو الدخل المباشر المتولد عن الاستثمار في التعليم و الذي يزيد من مهارات الفرد مما يؤدي إلى زيادة انتاجيته و بالتالي زيادة مستوى الدخل الذي يمكنه الحصول عليه ، و الزيادة الكلية في دخله على مدى حياته تمثل العائد المالي المباشر الذي يعود عليه نتيجة هذا الاستثمار .
  • الدخل العيني : و هو الجزء الناتج عن الاستثمار في التعليم ، و الذي يستهلك مباشرة دون ان يدخل في نطاق التبادل النقدي ، فالتعليم يمكن الفرد من ممارسة بعض الخدمات المنتجة التي يقدمها لنفسه او لأسرته.
  • الدخل النفسي : و يتمثل في الاشباع الروحي و الفكري ، الذي ينتج عن الاستثمار و الذي يزيد من درجة سعادة الفرد ، فالدخل الفردي يمثل لنا الجانب الاستهلاكي في التعليم .
    ب – العوائد الاجتماعية :-
    و يراد بها العوائد الصافية التي تؤول إلى المجتمع ككل نتيجة للاستثمار في التعليم.
    ثانياً :- العوائد الغير مباشرة :
    و هي مجموعة الاثار المباشرة التي يتركها التعليم خارج نطاق المجال التعليمي نفسه ، كتوفر فرص الابداع و التطور ، و خلق امكانيات التجديد و الاختراع ، و كل هذه منافع اقتصادية يمكن قياسها ، و ان كان ذلك امر ليس باليسير.
    فربة المنزل المتعلمة التي لا تعمل لا تزيد مقدار الدخل القومي ، و لكنها تربي اطفالها تربية افضل من المرأة الجاهلة الغير متعلمة ، الامر الذي يساهم في المستقبل في زيادة متوسط انتاجية اولادها .
    و لهذه العائدات اشكال متعددة منها :
  1. زيادة قدرات الافراد المثقفين على ارتياد مجالات اوسع ، مثل الافادة بشكل كبير من التأمينات الاجتماعية ، و الحصول على فرص عمل بشكل غير متفرغ .
  2. قد تعود تلك العائدات على الاسرة و مثال ذلك ما يحصل للتعليم المبكر للطفل ، فعندما يرسل الطفل إلى المدرسة ، فهم لا يتلقون التعليم فحسب بل توفر لهم الرعاية الخاصة بالأطفال ، مما يريح الوالدين و خاصة الام ، و تعتبر هنا الفائدة مالية حيث يكون بوسع الوالدين من زيادة دخلهم .
  3. التأثير المتداخل بين الاجيال ، و الذي ينتج عنه علاقة تعليم الوالدين بتعليم ابنائهم ، ففي حالة حصول الوالدين على تعليم افضل حتى سن الثامنة عشرة ستكون الفرصة مهيأة بمعدل 32% للطفل للالتحاق بالتعليم العالي .
    و هذا النوع من العائدات يطلق عليه مارشال اسم (الآثار الخارجية الاقتصادية ) او ( الاقتصاديات الخارجية ) و ذلك مثل اقامة حديقة وسط منطقة سكنية و في ما اذا فتحت هذه الحديقة امام الناس نظير اجر معين فانه يمثل الدخل النقدي المباشر ، و لكن هنالك فائدة غير مباشرة و هو ما يتاح للمنطقة من هواء و منظر و خضرة و شجر .
    3/ تقدير تكاليف التعليم :
    يمكن تعريف تكلفة الفرصة البديلة بأنها مقدار التضحية أو التنازل الذي يتم تقديمه عند تفضيل خيار على آخر. تقوم هذه الفكرة على مقارنة ما يتم خسارته مع ما يتم كسبه كنتيجة لقرارك. يمكن لتكلفة الفرصة البديلة أن تكون قابلة للقياس أو قد يصعب قياسها.. ويسمى باسم تكلفة الفرصة الضائعة او( الفرصة البديلة ) بسبب ان الطالب لا يلتحق بسوق العمل وتقاس أيضا بالخسارة في الإنتاج نتيجة وجود الطلاب في التعليم بدلا من السوق ويعتمد شولتز في قياسها على عدد الأسابيع المهدرة في الصناعات التحويلية وتشمل طلاب المرحلة الثانوية والتعليم العالي .
    4/ قياس العائد الاقتصادي من التعليم .
    بواسطة حساب التكلفة والعائد عن طريق العينة المقطعية المستعرضة ويستخرج منها دخول الأفراد في مختلف المستويات للعمر طبقاً للمستوي التعليمي للأفراد وبذلك تحصل على مستوي دخل الفرد للمستويات التعليمية المختلفة في الأعمار المتعاقبة. وأبرزت الطريقة ما يلي :
  • يرتبط دخل الفرد ارتباطاً عالياً بمستوي تعليمه فكلما زادت درجة التعليم زاد دخل الفرد.
  • يزيد الدخل ويبلغ أعلى مستوي له في متوسط العمر ثم يثبت وأحياناً يتناقص حتي بلوغ سن التقاعد.
  • دخول الأفراد ذوي التعليم العالي مرتفعة جداً بالنسبة لمن هم أقل تعليماً.
  • يبلغ الدخل أعلى مستوي له بالنسبة لذوي التعليم العالي في سن متأخرة وأحياناً يستمر الارتفاع حتى سن التقاعد.
    في تقرير للبنك الدولى حول التعليم في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا لوحظ ان معظم الدول العربية تعانى من فخ تدنى الانتاجية وتدنى العائد على الاستثمار في التعليم ، حيث يؤدى تدنى الانتاجية الى تدنى معدلات العائد على التعليم والذى يؤدى بدوره الى تدنى الاستثمار في التعليم مما يترتب عليه تدنى الانتاجية وهكذا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى