المنوعات

فرنسا تسعى لسحب الشرعية من حكومة الوفاق

عبّر الانزعاج الأوروبي من التعطيل الأميركي لقرار تعيين مبعوث دولي في ليبيا عن وجود فجوة بين المقاربة الفرنسية للأزمة والتردد الذي تبديه الولايات المتحدة في حسم قرارها الخاص بالمراهنة النهائية على أحد طرفي الصراع في ليبيا.

وقال مصدر دبلوماسي عربي مطلع لـ”العرب” إن الفرنسيين حسموا أمرهم بشأن حكومة الوفاق وأنهم سيسعون لاستصدار قرار من مجلس الأمن يسحب ما يسمى بـ”الشرعية الدولية” من حكومة الوفاق، وأن مهمة المبعوث الدولي الجديد ستكون إيجاد صيغة جامعة وملزمة لجميع الأطراف بدل اتفاق الصخيرات المنتهي الصلاحية منذ ديسمبر 2017.

وأضاف المصدر، الذي اشترط عدم ذكر اسمه، أن التشدد الذي أبدته فرنسا الأربعاء في بيانها الرئاسي موجه إلى حكومة الوفاق بالدرجة الأولى لأنها استدعت التدخل العسكري التركي بشكل مفتوح ووقعت اتفاقيتي التعاون العسكري وترسيم الحدود البحرية والاستكشاف النفطي والغازي.

أبوبكر بعيرة: السراج يفتح الطريق أمام المزيد من التغلغل التركي في ليبيا

وأبدت الرئاسة الفرنسية، “قلقها البالغ” إزاء الأوضاع في ليبيا، متخوّفة من اتّفاق بين تركيا وروسيا “يخدم مصالحهما” على حساب مصلحة البلاد.

والخميس قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عقب لقائه برئيس حكومة الوفاق فايز السراج في إسطنبول إنهما اتفقا على التعاون البحري في شرق المتوسط، في إشارة إلى التنقيب عن النفط والغاز.

وبدوره، قال السراج “نتطلع إلى عودة قريبة للشركات التركية لإعادة إعمار ليبيا”.

واعتبر عضو البرلمان الليبي أبوبكر بعيرة، أن زيارة السراج لتركيا في هذا التوقيت بالذات تعكس مدى اندفاع تركيا نحو المزيد من التغلغل في ليبيا رغم الرفض الليبي، وتزايد الاحتجاجات الإقليمية والدولية على الدور التركي داخل الأراضي الليبية.

ولم يستبعد بعيرة في اتصال هاتفي من ليبيا مع “العرب”، أن تكون هذه الزيارة مرتبطة بالتطورات الميدانية في محيط العاصمة طرابلس، خاصة بعد انسحاب وحدات الجيش الليبي من محاور جنوب طرابلس، وتحديدا من مطار طرابلس وعين زارة ووادي الربيع.

وأوضح المصدر الدبلوماسي أن “حكومة الوفاق تدرك مدى خطورة موقفها، وأنها أرسلت وفدها إلى موسكو، لأنها صارت على قناعة بأن الحشد الفرنسي في مجلس الأمن سيكون فعالا، خصوصا مع توفر الدعم الألماني وتغير الموقف الإيطالي”.

وأكدت الولايات المتحدة الأربعاء أنها تنتظر تشكيل بعثة “متمكنة” لليبيا تابعة للأمم المتحدة، ما أثار حفيظة فرنسا وألمانيا اللتين تقولان إن التأخّر في إقرار تعيين مبعوث يقوّض جهود إنهاء النزاع.

خليفة حفتر فى اجتماع مع قادة الجيش الليبى

وتدعم فرنسا سياسيا الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر في حربه على الإرهاب، وهو ما يتضح من خلال عرقلتها قرارات أوروبية تدينه وتتهم من قبل الإسلاميين بتقديم دعم عسكري له، الأمر الذي تنفيه باريس.

وتريد فرنسا من خلال هذه المساعي سحب الملف الليبي من تركيا وروسيا اللتين تتصاعد التكهنات بشأن إبرامهما صفقة لتقاسم النفوذ في ليبيا متجاهلتين المجتمع الدولي.

وبدأت معالم تلك الصفقة تتضح أكثر بعد سيطرة ميليشيات حكومة الوفاق بدعم من المرتزقة السوريين على كامل الحدود الإدارية لطرابلس فجر الخميس، عقب أيام من تواتر الأنباء بشأن سحب روسيا سلاحها وخبراءها العسكريين من محاور القتال التي كان يسيطر عليها الجيش الليبي جنوب طرابلس.

وتحدثت الأنباء عن أن الأسلحة تم نقلها إلى قاعدة الجفرة العسكرية وسط البلاد وأن روسيا لن تستخدمها إلا في حالة تعرضت منطقة الموانئ النفطية أو مدن شرق ليبيا لهجوم من قبل ميليشيات حكومة الوفاق.

ورغم ما تبديه الولايات المتحدة من انزعاج بشأن ما يبدو أنه صفقة تركية روسية ستفتح لموسكو أبواب التدخل العسكري المباشر في ليبيا، إلا أن صمتها بشأن التحركات التركية وخاصة نقل متطرفين من إدلب إلى طرابلس يعكس مباركتها لتلك التحركات.

وبفضل التدخل العسكري التركي أبعدت الولايات المتحدة شبح سيطرة روسيا الحليف المهم للجيش منذ سنوات على كامل ليبيا، لكنها ما زالت تواجه تحديا من تواجدها في جنوب البلاد وشرقها ووسطها.

وواضح أن الولايات المتحدة تراهن على تركيا وأذرعها في ليبيا لإقناع روسيا بالعدول عن طموح التواجد بشكل مباشر في البلاد من خلال محاولة إغرائها بصفقات إعادة الإعمار والتنقيب عن النفط والغاز، إضافة إلى تسديد ديونها البالغة نحو 7 مليارات دولار.

وفي صورة ما إذا نجحت هذه المحاولات تكون الولايات المتحدة أبعدت روسيا لتتفرغ في ما بعد لإنهاء طموحات فرنسا التي تعد أحد أبرز منافسيها في ليبيا وأفريقيا بشكل عام.

وهذا ما يفسر المماحكات الدبلوماسية بين فرنسا والولايات المتحدة التي من المتوقع أن تكون استعادة سرت من الجيش الليبي إحدى أبرز أولوياتها خلال الفترة القادمة.

ويرى متابعون أن هذه المماحكات الدبلوماسية ليست جديدة حيث بدأت منذ تعيين الولايات المتحدة للقائمة بالأعمال في السفارة الأميركية ستيفاني ويليامز عقب أشهر من تعيين المبعوث السابق المستقيل غسان سلامة المحسوب على فرنسا.

ويرجع كثيرون استقالة غسان سلامة إلى الضغوط التي مارستها ستيفاني ويليامز من خلال تحركاتها التي همشت دوره وفرضت رؤية الخارجية الأميركية وبريطانيا وبشكل أقل إيطاليا التي تصب كلها في مصلحة الإسلاميين في ليبيا.

وبالإضافة إلى التعنت الأميركي، من المتوقع أن تواجه فرنسا رفضا روسيا لمقترحها في خضم تزايد الحديث عن رهان موسكو على إعادة إحياء البرلمان في طبرق لانتزاع شرعية التدخل في ليبيا.

ويستمد البرلمان المنتخب في 2014 شرعيته من اتفاق الصخيرات باعتبار أنه جرى انتخابه لمدة سنة فقط، كما أن الانقسامات التي شهدها عصفت به وحولته إلى جسم شبه عاجز حيث فشل أكثر من مرة خلال الفترة الماضية في عقد جلسة كاملة النصاب.

ووقع اتفاق الصخيرات في ديسمبر 2015 وهو الاتفاق الذي أعاد الإسلاميين الذين خسروا الانتخابات البرلمانية إلى الحكم من جديد.

ويرفض الإسلاميون إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية وحاولوا خلال العام الماضي إعادة استنساخ تجربة اتفاق الصخيرات، وهو الأمر الذي رفضه البرلمان والجيش، ما دفعهما إلى إطلاق عملية السيطرة على طرابلس.

ويُتهم الإسلاميون بالسعي لفرض تسويات على مقاسهم تكون فيها المؤسسات الحيوية والوزارات السيادية تحت سيطرتهم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى