شهدت البشرية خلال تاريخها الطويل العديد من الأوبئة والأمراض التي حصدت أرواح الملايين من البشر في مناطق مختلفة من العالم وقد تعلمنا من كل وباء شيئاً مميزاً عن كيفية إدارة هذه الأزمات… وصنفت منظمة الصحة العالمية فيروس كورونا المستجد المعروف باسم «كوفيد – 19»، بأنه جائحة بعد أن أصبح من الواضح أنه ينتشر بحرية في معظم أنحاء العالم فليس وحده فيروس كورونا الذي يقتل البشر حول العالم، بل هناك أكثر منه تأثيرًا عبر التاريخ…. فـــ كل جائحة تمرّ على البشر كان يجب أن تصيبهم بالهلع، لكن فيروس كورونا انتصر على كل أنواع الجوائح لأنه ينتقل بالعدوى، ولأنه قد يسبب الموت.
الامرلايتعلق بفيروس كورونا المستجد كي تصاب البشرية بالهلع، كان عليها أن تهلع بسبب الاحتباس الحراري والتلوث البيئي وسباق التسلح والحروب التي لا تنتهي، والفقر والاستغلال.. وفي الواقع أن فيروس كورونا هو الحلقة الأخيرة في سلسلة من الأوبئة التي ضربت العالم وذهب ضحيتها الملايين من البشر… فـــ في عام 165 ميلادية تم تسجيل وباء تسبب في وفاة ما لا يقل عن 2000 شخص يوميًا، في الإمبراطورية الرومانية، واستمر “الطاعون الأنطوني” في الانتشار إلى سنة 180 ميلادية، ولم يكن هذا الوباء هو مرض الجدري. واشتبه العلماء في أن الطاعون الوبائي كان مرض الجدري أو الحصبة..
وفي العام 1347-1351 جلب تجار جنوة الطاعون إلى أوروبا بعد الهرب من الحصار الذي استخدم فيه جنرال مغولي الجثث المصابة سلاحاً وسمي بالموت الأسود. وفي غضون سنوات قليلة، قُتل ما يصل إلى 25 مليون شخص، أي ثلث سكان أوروبا. واستمرت أوبئة أخرى انتشرت عن طريق البراغيث في الظهور لقرون عدة، وأنتجت بعض الانتصارات للعمل من المنزل: استغل الكاتب البريطاني وليام شكسبير الشهير إغلاق المسارح في عام 1590 لكتابة الشعر..وفي عامي 1665و 1666م ،شهدت العاصمة البريطانية ما عرف باسم طاعون لندن العظيم والذي وصلها قادما من هولندا والذي تجاوز عدد ضحاياه الـ 100 ألف شخص وهو ربع عدد سكان المدينة حينئذ..
وقد قامت وقتها جامعة كمبردج بارسال طلابها إلى المنزل بما في ذلك السير إسحاق نيوتن الذي استغل الفرصة للجلوس بالقرب من شجرة تفاح واكتشف احد أهم القوانين الأساسية للفيزياء وهي الجاذبية. وفي عام 1580 فقد ظهرت أول جائحة إنفلونزا حقيقية في صيف عام 1580 في آسيا، وسرعان ما انتشر الوباء عبر طرق التجارة إلى أوروبا وأميركا الشمالية. وعلى الرغم من أن عدد القتلى غير معروف، لكن تم الإبلاغ عن 8 آلاف حالة وفاة على الأقل في روما وحدها. وفي عام 1720 ضرب مدينة مارسيليا الفرنسية الطاعون العظيم الذي قتل في أيام 100 ألف شخص .
ويتبعه عام عام 1793 انتشار وباء الحمى الصفراء بمنطقة فيلادلفيا الأمريكية والذي تسبب في مقتل حوالي خمسة وأربعين ألف شخص. في عام 1820 قتل وباء “كوليرا” الكثير من البشر في جنوب آسيا، حيث بلغ عدد الضحايا أكثر من 100 ألف شخص… وظهرت في مدينة كالكوتا في الهند، ومنها انتشر إلى باقي القارة الآسيوية والشرق الأوسط. وفي عامي 1910 و1911انتشر طاعون منشوريا في منطقة منشوريا في الصين وقتل حوالي 60 ألف شخص. وفي أعقاب الحرب العالمية الأولى شهد العالم في أعوام 1918-1919 انتشار الإنفلونزا الإسبانية التي أصابت 550 مليون إنسان (20% من سكان العالم حينها) وأودت بحياة وفق مختلف الاحصائيات 50-100 مليون إنسان… فــــ كان عدد الضحايا كبيرا لأنه في عام 1918، كانت الفيروسات لا تزال حديثة الاكتشاف. وتقول ويندي باركلاي من جامعة إمبريال كوليدج بلندن: “لم يدرك الأطباء حينها بالطبع أن الفيروسات هي التي تسبب هذه الأمراض”.
وكان الطريق أمامهم لا يزال طويلا لاكتشاف الأدوية المضادة للفيروسات واللقاحات التي تساعد الآن في كبح تفشي المرض وتسريع التعافي منه. وبحلول منتصف القرن، كان العالم بيئة أكثر تفشياً للأوبئة مما كان عليه في عام 1918، مع تزايد الكثافة السكانية ووجود المزيد من التجارة العالمية والسفر الجوي. لكن كانت هناك أيضاً تطورات مهمة في علم المناعة: تم تطوير لقاح الإنفلونزا في ثلاثينات وأربعينات القرن العشرين، وتم إنشاء معظم وكالات الصحة العامة التي نعترف بها اليوم، بما في ذلك مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها ومنظمة الصحة العالمية.
ومع ذلك تسببت جائحتان منفصلتان لإنفلونزا الطيور نشأتا في هونغ كونغ والبر الرئيسي للصين في مقتل أكثر من مليون شخص. فــ بين عامي 1957و 1958 ظهر وباء اللأنفلونزا الأسيوية في الصين وانتشر في سنغافورة وهونغ كونغ ثم الولايات المتحدة وكان عدد الضحايا كبيرا.
وفي سبعينات القرن الماضي وتحديدا في عام 1976م أصيب أكثر من 60 مليون شخص بمرض نقص المناعة الإيـــــــــدز وتوفي أكثر من 25 مليونـــآ شخص. وانتشر في عامي 2009-2010 وباء فيروس إنفلونزا الخنازير H1N1، الذي بدأ في المكسيك وانتشر في جميع أنحاء العالم، وأصاب أكثر من 220 ألف شخص توفي منهم ألفان فإن هذا المرض من أكثر الفيروسات خطورة، إذ يتمتع بقدرة تغير سريعة، هربًا من تكوين مضادات له في الأجسام التي يستهدفها. ووصل عجج ضحاياه في عام 2010 عن وفاة 18 ألف شخص جراء الوباء. وفي عام 2013 ظهروباء المعروف سابقآ باسم “حمى الإيبولا النزفية”، في غينيا وانتشر ليصل إلى ليبيريا وسيراليون المجاورتين، ليعرف بعدها باسم “فيروس إيبولا في غرب إفريقيا”.
تسبب هذا الفيروس بانهيار اقتصادات البلدان الثلاثة، وخلال ذلك العام، توفي حوالي ستة آلاف شخص بسببه، وفي عام 2018، ضرب “إيبولا” مجددًا جمهورية الكونغو، حيث فقد أكثر من 2200 شخص حياتهم. وينتقل الفيروس إلى الإنسان من الحيوانات البرية وينتشر بين صفوف التجمعات البشرية عن طريق سريانه من إنسان إلى آخر. وصولآ بــ عام فـــ في بداية 2020 ضرب العالم فيروس كورونا الذي ظهر بمدينة ووهان الصينية ومنها الي مختلف دول العالم دون سيطرة ..
وهنا يأتي السؤال.. هل سيخرج البشر بعد هذه الآزمة بـــ صدمة تساهم في إعادة ضبط علاقتهم بالطبيعة التي يكادون يستنزفون طاقتها؟ وهل سيكونون أكثر اتحاداً وتعاوناً وتوافقاً، أم أن الفيروس سيزيد الانقسامات في ما بينهم؟ هل سيعودون إلى تحقيق السلام كما حفزتهم الحرب العالمية الثانية، أم أن انهياراً اقتصادياً عالمياً سيؤدي إلى مزيد من الحروب والنزاع على مصادر الطاقة والغذاء والماء؟ هل سيساهم هذا الفيروس بتطوير المفاهيم الصحية والتقنيات الطبية لمواجهة الجوائح الفيروسية المقبلة، أم أنه سيعيد البشر سنوات بعيدة عن التطور الذي وصلوا إليه؟ !!!!!!!!!!!