مقالات

اضطهاد المسلمين الإيغور وموقف المسلم تجاهه

بقلم – د. وائل محمد رزق موسى أستاذ مساعد بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر

إضطهاد المسلمين الإيغور في الصين وموقف المسلم منه طالعتنا وسائل إعلام محلية وعالمية ومنصات التواصل الاجتماعي بمشاهد متعددة من التمييز والاضطهاد الذي تمارسه دولة الصين بحق المسلمين الإيغور – وهو أحد الأعراق في الصين – في إقليم شينغيانغ، الذي يتمتع بحكم ذاتي، وقد تمثل هذا التمييز والاضطهاد في قمع أمني للمسلمين في هذا الإقليم، ومنعهم من إقامة الشعائر التعبدية أو إظهار أي شكل من أشكال التدين، وكذا إغلاق المساجد ومحاربة الصيام وسحب المصاحف وسجادات الصلاة من البيوت، وتجريم التلفظ بالسلام باللغة العربية واعتقال مئات الآلاف من الأشخاص فيما يسمى بمراكز التأهيل والتدريب المهني، والذي يودع فيه كل من يثبت أداؤه للصلاة أو قيامه بالصيام أو تلاوته للقرآن الكريم أو إقتنائه نسخة منه، تلك المراكز التي ظهر للعالم كله أنها ما هي إلا معتقالات يتم فيها غسل أدمغة النزلاء ببرامج محددة، وتستخدم فيها أدوات متنوعة من أدوات التعذيب، وغير ذلك من أمور يندى لها جبين العالم

ولا يتصور تواجدها في هذا القرن الحادي والعشرين، والذي تؤكد فيه المنظمات الدولية والمواثيق الإنسانية والحقوقية على ضرورة ضمان حرية الإنسان في دينه ومعتقده، وعدم التمييز بين الناس بسبب العنصر أو اللون أو الدين أو الجنس، وأيضًا عدم جواز اعتقاله تعسفًا، هذا فضلًا عن مخالفة هذه الإجراءات لكل الشرائع والديانات السماوية، مما يوجب على العالم كله وعلى رأسه المنظمات الدولية الاضطلاع بمهامها في حماية حقوق هذا العرق الذي تمارس عليه هذه الأشكال من التمييز والاضطهاد، والعمل للوصول إلى تمكينهم من ممارسة حياتهم الطبيعية وإقامة شعائرهم الدينية دون خوف أو إرهاب أو قهر. وأما بالنسبة للمسلمين شعوبًا وأنظمة فإن هناك العديد من الواجبات الشرعية تجاه هذه المأساة الإنسانية عمومًا والإسلامية خصوصًا، فإن المضطهدين فيها هم مسلمون استضفعوا بسبب دينهم ومورست عليهم أشكال التمييز والاضطهاد والظلم، والإسلام قد شدد في التحذير من الظلم وبيَّن أنه يحرم إيقاعه على أي أحد، أيًا كان دينه أو مذهبه أو عرقه أو جنسه، فتحريم الظلم جاء عامًا، فقد روى مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، أن الله تبارك وتعالى قال: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا، فلا تظالموا»

وتحريم الظلم ليس قاصرًا على المسلم فقط بل يشمل أي مظلوم وعلى أي دين، فالله تعالى يمقت ظلم أي إنسان ويعاقب عليه، روى أبو داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا من ظلم معاهدًا، أو انتقصه، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفس، فأنا حجيجه يوم القيامة» بل إنه وصل إلى تحريم ظلم البهائم المعجمة فقد روى أبو داود عن عبد الله بن جعفر، أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل حديقة لرجل من الأنصار فإذا جمل، فلما رأى النبَي صلى الله عليه وسلم حن وذرفت عيناه، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فمسح عليه فسكت، فقال: «من رب هذا الجمل، لمن هذا الجمل؟»، فجاء فتى من الأنصار فقال: لي يا رسول الله. فقال: «أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها؟، فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه»، وإن من أظلم الظلم أن يُمنع المسلم من عبادة ربه وتعمير المساجد بالعبادة وذكر الله تعالى فيها قال عز وجل {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا} [البقرة: 114]،

كما حرم تعالى منع صاحب أي شريعة سماوية من التقرب لربه عز وجل في قوله تعالى {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 40] وهذا كله يحتم على المسلم أن يشعر بمعاناة هؤلاء المستضعفين فيتألم لألمهم ويحس بمعاناتهم؛ إذ أنهم أخوة له في العقيدة، يشاركونه في الدين، وفي التعبد لله رب العالمين، قال تعالى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10] وقد روى البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»، وهذا الشعور بالألم والإحساس بالمعانة من لوازم الإنسانية، إذ من طبيعة الإنسان الحي ضميره والسليم طبعه أن يحزن لمعاناة الآخرين ويضمد جراحهم. ثم على المسلم بعد ذلك الدعاء لهم أن يرفع الله تعالى عنهم البلاء، ويذهب عنهم الخوف، ويحل محله الأمن والسلام والاستقرار، فهو تعالى القادر على كل شيء وبيده سبحانه ملكوت كل شيء، ولكن من حكمة الله تعالى أن يقدر على البعض هذه الابتلاءات اختبارًا للناس، ورفعة في درجات الصابر والمتعاطي مع الأحداث بما يجب في الشرع قال تعالى {وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} [محمد: 4]

، ثم أدعو المستثمرين والشعوب العربية والمسلمة إلى مقاطعة البضائع الصينية، فإن سلاح المقاطعة سلاح فعال إذا أحسن استغلاله، ولا يستهين الفرد بما يمتنع عن شرائه من بضائعهم ولو كان قليلًا، فإنه لو فعل ذلك فإنه يكفيه أن يكون قد عبر عمليًا عن رفضه للظلم الواقع على إخوانه المستضعفين، وأعذر إلى الله رب العالمين بما في مقدوره، وما يستطيع فعله. وعلى الإعلام المقروء والمسموع والمرئي دور كبير ومهمة ضخمة في هذا الشأن، إلا وهو إبراز معاناة هؤلاء، وتوثيق ما يحصل لهم، من خلال نشر صور من تلك المأساة وتوثيق هذه الأوضاع بشهادة الشهود، وحكايات الفارين من الاضطهاد، ومن وقع الضرر عليهم أو على أحد من أقاربهم أو ذويهم، فإن الإعلام النزيه هو المحرك للشعوب والموقظ للضمائر والباعث على الإيجابية. وأما الدول العربية والإسلامية فإن الواجب عليها أن يقوموا بدور فاعل ويعقودوا ائتلافات بالتنسيق مع باقي الدول داخل المنظمات الأممية للضغط على الحكومة الصينية لرفع تلك القيود ومنع هذا الظلم الذي لا يعني إستمراره شيئًا إلا مباركة من العالم وتلك المنظمات لهذا القمع ورضا بهذا الاضطهاد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى