الادب والثقافة

المرأة والكتابة… هل تلاشت الصورة النمطية عن مسمى “الكتابة النسوية” في الخليج

مرت الكتابة في المنطقة العربية بمراحل عدة، كانت المؤثرات المحيطة دائما ما تفرض نفسها إما من خلال مكون شخصية الكاتب التي اكتسبها في نشأته، أو تلك التي تفرض على الكاتب خاصة إذا كانت امرأة، كان البعض يرى انها مطالبة بالرضوخ لهذه الأعراف دون غيرها، وهو ما شكل موجات من المواجهة ومحاولة الخروج من هذه الأطر التي تتعارض مع فكرة الإبداع في ذاتها.

شهدت منطقة الخليج في الفترة الأخيرة بروز العديد من النساء المبدعات من شاعرات وكاتبات، وقد أثر الانفتاح بشكل كبير على تلك الكتابات، ما ساهم في تصدرهن للواجهة الأدبية في المنطقة العربية غلى جانب من سبقنهن من المبدعات العرب من شتى الدول.

انفتاح الكتابة

من ناحيتها قالت الدكتورة ضياء عبدالله الكعبي أكاديمية وناقدة بحرينية، إن كتابة المبدعة الخليجية المعاصرة هي كتابة منفتحة على محيطها العربي، ومنفتحة كذلك على الثقافات الكونية.

وأضافت في حديثها لـ”سبوتنيك”، الأحد أن المبدعة الخليجية مثلها في ذلك مثل المبدع الخليجي، لم تكن في يوم ما في قطيعة إبداعية أو ثقافية مع الإبداع العربي، وهناك بعض الأصوات الإبداعية الخليجية الاستثنائية التي أحدثت علامات ثقافية فارقة، وأتوقع لبعضها الوصول إلى العالمية بما في ذلك المبدعات الخليجيات. 

البحرين المنامة

وتابعت: “دول مجلس التعاون الخليجي احتضنت ولاتزال تحتضن المبدعين العرب في مؤتمرات ومهرجانات ومشاريع ثقافية تأسيسية قائمة على الشراكة،  ومنذ عقود طويلة اشتغلت دول الخليج العربية على صناعة الثقافة في مجال التأسيس، ودائما كان المحيط العربي حاضرا في تلك المشاريع الثقافية الكبرى، إذن دول الخليج العربية مراكز ثقافية كبرى وفاعل ثقافي مهم عربيا.”

وترى الكعبي أنه “لا يمكن فصل كتابة المرأة الخليجية عن محيطها الإقليمي العربي، ولا عن هويتها العربية الإسلامية في مكوناتها الثقافية الأصيلة”.

وأشارت إلى أن هناك “أسماء فاعلات خليجيات مبدعات في المشهد الثقافي العربي: من السعودية على سبيل المثال، رجاء عالم، وأميمة الخميس، ومن الإمارات فاطمة حمد المزروعي، ولولوة المنصوري، وريم الكمالي، ومن الكويت فاطمة العلي، وليلى العثمان، وفوزية شويش السالم، وسعدية مفرح، ومن البحرين فوزية رشيد، وبروين حبيب، ومن عمان آمنة الربيع، وبشرى خلفان، وأن هناك الكثير والكثير من الأسماء الخليجية ذات الحضور العربي الذي تجاوز العربية إلى العالمية، مثل الروائية العمانية جوخة الحارثي، التي هي أول امرأة عربية تفوز بجائزة المان بوكر الدولية”.

الإشكاليات المبدعة

توضح الكعبي أن الإشكالات الكبرى التي تعانيها المرأة المبدعة في العالم، هي التي تعاني منها المبدعة العربية، وحتى المبدع العربي في حجم المساحة المتاحة للتعبير عن الذات، وينعكس هذا الأمر أكثر على السير الذاتية النسوية العربية، التي تتوسل بالمجازي للابتعاد عن لحظات المكاشفة، هربا من المطابقات الروائية بين الروائي وما يكتب. 

فيما تقول الروائية الإماراتية تهاني الهاشمين إن الكتابة عمل محفوف بالمخاطر والقيود التي يفرضها المجتمع بكل عاداته وتقاليده، والدين بتشريعاته ومذاهبه. 

وأضافت في حديثها لـ”سبوتنيك”، أن  الكاتب الواعي هو الذي يستطيع تمييز ما يمكن طرحه، وما لا يمكن، هو الذي يتمكن من استخدام حروفه الإبداعية للوصول للمضمون دون الغوص في تفاصيله.

وترى أن الكتابة فن راقي يُهذب الروح ويُغذي الفكر ويطوره، وأنه لابد للكاتب من خلال ممارسة هذا الفن أن يُمرن عضلاته في بناء الجسر الأنسب، ما بين الفكرة التي تحملها سطوره والمتلقي المُتعطش لقراءة المحتوى.

​وتابعت : “أما عن تجربتي فقد اكتسبت بعض الخبرة من خلال الأعمال التي قمت بتقديمها في السنوات الماضية، وأعتقد بأني كونت شجاعة كافية لأقف عند الحدود التي ترفع من قيمة العمل ولا تهوي به”.

المحرمات

حول مسألة المتاح والمحرم عرفيا ما بين الرجل والمرأة تقول الهاشمي: “نعم مازالت موجودة بحسب تجربتي، حتى أن البعض قد يستنكر أو ينفي انتماء الكاتبة لهم لمجرد تطرقها في عمل روائي متكامل لعلاقة عاطفية، وهذا غير منطقي لأن العمل الروائي بطبيعته يعكس حياة شخص ما بمختلف الجوانب والنواحي النفسية والجسدية والعاطفية والمادية، وما إلى ذلك”.

وتابعت “لكنني على كل حال أعتقد بأن حالة النكران هذه لابد وأن تنتهي بإقرار بعد مدة زمنية نظراً للمتغيرات السريعة التي تحصل بخصوص العنصر النسائي ودوره الفاعل في المجتمع”.

الجرأة في الكتابة

حول مدى خجل المرأة في الكتابة والتجار الإبداعية تتابع الهاشمي: أؤمن جداً بأن الكتابة “قلم” لا يحمل جنس ولا هوية ولا عمر، الكتابة حالة إبداعية مقوماتها تقتصر على الفكرة وطريقة طرحها.

وأردفت “الخوف والخجل هما حاجز يحرم المبدع رجلاً كان أو امرأة من الوصول لتلك التجربة”.

واستمرت “الجرأة بأن تُقدم على الكتابة ليتم قراءتها من الجميع، والجرأة الأكبر أن تترك مخاوفك وأوهامك خارج سطورك وأن تتلون حسبما يأخذك الحرف وتترك قلمك ليبحر عبر موجات فكرك”.

أثر الانفتاح 

توضح أن الحالة الانفتاحية التي تعيشها المنطقة خلقت حالة من الفوضى والتجريب في شخصية المرأة الخليجية الجديدة، التي تحاول أن تتواكب مع العالمية والعادات المحافظة، وأن  الساحة الأدبية عاشت هذا النزاع أو التخبط النسوي.

وأردفت: “قد تكون طريقة تُسرب من خلالها الكاتبة أفكارها عن الحقبة الزمنية التي تعيشها. نحن نُجسد من خلال أعمالنا هوياتنا بكل ما نواكبه من تطورات ومتغيرات فهل يجد القارئ العربي بأن مبدعات الخليج نجحن في ذلك؟! اتمنى هذا”.

النساء السعوديات أمام مركز تجاري في الرياض

فيما تقول الشاعرة هدى أشكناني أنها بدأت الكتابة الأدبية في 2006، وكانت كتابتها بلا ملامح واضحة، بين خاطرة وقصة قصيرة، وأن الكتابة بمجملها كانت للمرأة تعد خطيئة، لكونها عندما تكتب، فهي تصرح عن حبها وشوقها لمحبوبها “على سبيل المثال، وأن الجميع كان يبتعد عن البوح، فيما يتعلق بمشاعره وعواطفه.

وأضافت في حديثها لـ”سبوتنيك”، اليوم الأحد:” في تجربتي الأولى في 2011 (سماء تبحث عن غطاء) كانت تعد تمردا على كل المحاذير بدءا من الغلاف وانتهاء بالنصوص”.

 ‎وأوضحت أشكناني “قبل 10 سنوات كان الوضع مختلفا  ، لم يكن المجتمع بهذا الانفتاح ، هناك العديد من الأسماء البارزة في الأدب الخليجي والكويتي بشكل خاص تمت محاربتها ونعتها بالجرأة والتمرد، ومنهن الأديبة ليلى العثمان، أما اليوم فالمرأة قادرة عن الكتابة  بشكل أوسع ، رغم وجود  بعض التضييق‫، إلا أنها قادرة على تجاوز هذه الحدود.”

وتابعت :” إيمانها بما تكتب وقدرتها على الثبات في المواقف والمبادئ يجعل منها قوة لا يمكن تجاهلها.”

‎حول تأثير الانفتاح على الأمر قالت أشكناني:”الانفتاح الكبير الذي يعيشه العالم قد ساهم في تغيير الخارطة، فالآن أصبح بالإمكان كسر “التابوهات” القديمة والكتابة عنه، تمكنت المرأة من إثبات وجودها وتعميق كتابتها في موضوعات مختلفة وحقيقية، بالأمس حوربت الشاعرة جمانة حداد، واليوم سنويا يتم اختيارها ضمن واحدة من النساء الأكثر نفوذا، لنشاطها الثقافي والاجتماعي وثبات موقفها ورأيها‫.”

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى