بنود خطة الحريري لإنقاذ لبنان
لم تهدأ وتيرة الاحتجاجات في لبنان رغم التطمينات الحكومية بإيجاد حلول سريعة لأزمة اقتصادية عميقة تحتاج إلى سنوات إصلاح طويلة.
ومع دخول الاحتجاجات يومها الرابع واتساع رقعتها، ترتفع كلمة الشعب فوق هدوء الحكومة، آتية بنتائج إيجابية كان أولها استقالة 4 وزراء دفعة واحدة ما يعطي أملاً في حصول تغيير حقيقي إذا استمرت على نفس الوتيرة، خاصة بعد أنباء عن موافقة الكتل السياسية اللبنانية على ورقة الحريري الإنقاذية.
خطة إصلاحية
بعدما تصاعدت الاحتجاجات الشعبية من وسط بيروت لتعم كل المناطق اللبنانية، أعلن الرئيس اللبناني العماد ميشال عون، أمس السبت أنه “سيكون هناك حل مطمئن للأزمة”.
وقال وزير المال اللبناني علي حسن خليل بعد لقاء مع رئيس الوزراء رفيق الحريري، إنهما اتفقا على موازنة نهائية لا تتضمن أي ضرائب أو رسوم إضافية، وذلك في محاولة لتهدئة الاحتجاجات.
وكشفت مصادر وزارية، أن الحكومة تعد ورقة إصلاح اقتصادي خالية كلياً من الضرائب، موضحة أن الخطة تقشفية في الإنفاق، ولا تطال الفئات الشعبية، وأضافت أن رئيس الوزراء، سيعرض خطة الإصلاح الاقتصادي على كل الكتل السياسية المشاركة في الحكومة، مؤكدة أن الحريري ملتزم جدياً بالمهلة الزمنية التي حددها بـ 72 ساعة، لحل الأزمة في البلاد.
احتواء الاحتجاجات
وذكرت مصادر خاصة لقناة العربية، أن الخطة الاقتصادية المقترحة تنص على الإعلان عن ميزانية متوازنة للعام 2020.
وشملت الاقتراحات أن تقتصر النفقات على الأجور وخدمة الدين ووقف كل النفقات الأخرى، كما تنص على زيادة الإيرادات عبر رفع الضرائب على أرباح البنوك من 17 إلى 35% لعام واحد، حيث من المفترض أن تحصل الدولة على 350 مليون دولار منها على الأقل.
ومن المقترحات أيضاً خفض أجور النواب والوزراء، إضافة إلى إجراءات أخرى لم تتضح صورتها بعد، وأوضحت المصادر أنه تم إعداد الخطة بالتنسيق مع محافظ البنك المركزي رياض سلامة.
آمال وشكوك
وتهدف المبادرة إلى استقرار الوضع وتعزيز الحماية الاجتماعية وتقديمات لذوي الدخل المحدود، وخفض خدمة الدين وتصفير العجز، كما أنها ستكون مساهمة أساسية للقطاع المصرفي العام المقبل.
وكما سيتم إلغاء كل الضرائب والرسوم التي تم فرضها، وكما أن هناك اقتراحات للحد من الفساد في مختلف المجالات وإدارات الدولة، فضلاً عن تأمين الكهرباء وتسريع تنفيذ مشاريع سيدر.
وأشارت مصادر مسؤولة لصحيفة الشرق الأوسط، إلى أن الأهم يبقى في تعاطي المتظاهرين مع الخطة الإصلاحية، وهل سيتقبلها المحتجون في الشارع ويتراجعون عن مطالبهم التي لا تقبل بأقل من استقالة الحكومة.
تأييد ومساندة
ومن جهة ثانية، أعلن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، وليد جنبلاط، أن رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري أرسل له الورقة الاقتصادية المقترحة، وقال “نحن بصدد الإجابة وسنحضر ورقة معدلة ومضادة فيها العناوين الأساسية لوضع حد للانهيار المالي”.
وأضاف “نرفض أي ضريبة وأي رسم، نعم للضريبة التصاعدية الموحدة والأملاك البحرية وإلغاء كل الملحقين العسكريين، إلا للدول التي تساعد الجيش اللبناني ونعم لإلغاء معاشات النواب والوزراء الحاليين والسابقين”.
وبدوره، قال رئيس حزب الطاشناق هاغوب بقرادونيان إن “اللقاء مع الحريري كان إيجابياً، وأنه يطرح أفكاراً مستمدة من كل الطروحات الإصلاحية، بانتظار موافقة القوى السياسية عليها”، وأوضح أن وفد الطاشناق طالب الحريري بعدم زيادة أي ضريبة على المواطنين، ووقف الهدر ومكافحة الفساد والعمل على إصلاحات اجتماعية للطبقات الفقيرة.
خلية نحل
وفي وقت تحول فيه مقر رئيس الحكومة سعد الحريري في بيروت إلى “خلية نحل” عبر لقاءات شملت ممثلين من مختلف الكتل الوزارية، للبحث في مبادرة إنقاذية للخروج من أزمة الاحتجاجات الشعبية المتصاعدة منذ مساء الخميس الماضي.
ذكرت مصادر مقربة من رئيس الحكومة سعد الحريري لموقع “ليبانون فايلز”، إن لقاءاته مع القوى السياسية المتمثلة في الحكومة هدفت إلى إطلاعها على ورقة إصلاحية كاملة شاملة أعدها من مختلف الأفكار المطروحة التي تقدمت بها القوى السياسية.
وأشارت إلى أن الحريري عقد لقاءات عمل مكثفة مع مجموعة من الخبراء الماليين والاقتصاديين للاستماع إلى آرائهم في كيفية الخروج من الأزمة، والاستفادة منها في المقترحات التي سيعرضها على القوى السياسية.
والتقى الحريري كلاً من وزير الصناعة وائل أبوفاعور، الذي ينتمي إلى الحزب التقدمي الاشتراكي، ووزير الأشغال العامة والنقل يوسف فنيانوس، الذي ينتمي إلى تيار المردة، ووزير المال علي حسن خليل، الذي ينتمي إلى حركة أمل.
وكما علمت المصادر أن الحريري التقى بعيداً عن وسائل الإعلام، وفداً من قيادة التيار الوطني الحر، وممثل حزب الله الوزير محمد فنيش مع عدد من المستشارين، مشيرة إلى أن القوات اللبنانية لم تشارك في الاجتماعات التي عقدها، وأوضحت أن موعد عقد جلسة للحكومة اليوم ليس نهائياً، لافتة إلى أن الحريري سيقرر بعد الانتهاء من مشارواته مع القوى السياسية ما إذا كان سيدعو إلى جلسة أم لا.
غضب الشارع
وتواصلت الاحتجاجات أمس لليوم الثالث على التوالي في العاصمة بيروت، وفي شمال لبنان وشرقه وجنوبه، وفي عدد من المناطق في جبل لبنان، وقُطعت بعض الطرقات احتجاجاً على سوء الأوضاع الاقتصادية.
وارتفعت أعداد المشاركين في المظاهرات، وشهدت طرابلس عاصمة الشمال مظاهرة حاشدة احتشد خلالها المحتجون منذ الصباح، وغصت بهم ساحة النور في طرابلس، كما شهدت مناطق أخرى في وادي خالد، وفي المنية، وعكار شمال لبنان، مظاهرات مماثلة.
وكذلك شهدت منظقة الزوق وعاليه، في جبل لبنان، وبعلبك شرق لبنان، والنبطية جنوب لبنان مظاهرات حاشدة، وكما شهدت مدينة صور جنوب لبنان مظاهرة تعرض خلالها المتظاهرون لاعتداءات من قبل مناصرين من “حركة أمل”.
وحمل المتظاهرون الأعلام اللبنانية وأنشدوا الأغاني الوطنية، وطالبوا بإسقاط السلطة بكل رموزها، ويإسقاط النظام السياسي وإسقاط الحكومة، ووجهوا الانتقادات لكل المسؤولين في الدولة (رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الوزراء، ورئيس مجلس النواب)، وطالبوا باستقالتهم جميعاً، ورددوا عبارة “كلن يعني كلن”.
وعلى إثر الاحتجاجات المتواصلة، أعلن رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع استقالة وزرائه الأربعة من الحكومة، وقال في مؤتمر صحافي عقده شمال بيروت: “توصلنا إلى قناعة أن الحكومة عاجزة عن اتخاذ الخطوات المطلوبة لإنقاذ الوضع الاقتصادي والمالي المتفاقم”، واحتفل المتظاهرون في وسط بيروت فور سماعهم الخبر، مطالبين باستقالة باقي الكتل السياسية.
معاناة اقتصادية
وتصاعدت نقمة الشارع خلال الأسابيع الأخيرة إزاء احتمال تدهور قيمة العملة المحلية التي تراجعت قيمتها في السوق السوداء مقابل الدولار، وتوجه الحكومة لفرض ضرائب جديدة وسط مؤشرات على انهيار اقتصادي وشيك.
وسجل الاقتصاد اللبناني في العام 2018 نمواً بالكاد بلغ 0.2%، وقد فشلت الحكومات المتعاقبة بإجراء إصلاحات بنيوية في البلد الصغير الذي يعاني من الديون والفساد.
ويعاني لبنان من نقص في تأمين الخدمات الرئيسية، وترهل بنيته التحتية. ويُقدّر الدين العام اليوم بأكثر من 86 مليار دولار، أي أكثر من 150 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، ويعاني اللبنانيون من ارتفاع تكاليف المعيشة، وانهيار قطاع الخدمات، وتدهور الأوضاع الأمنية التي أدت إلى انهيار الاقتصاد وانتشار البطالة.