الإجهاض السري في المغرب… الشارع يترقب والبرلمان “متعثر”
أعادت أزمة الصحفية هاجر الريسوني قضية الإجهاض غير الشرعي المنتشر في المغرب إلى الواجهة، ذلك الملف الذي يثير جدلًا واسعًا كلما تصدر المشهد.
الصحفية المغربية البالغة من العمر 28 عامًا، واحدة من تلك الفتيات الكثيرات المتهمات بالإجهاض غير القانوني وممارسة الجنس خارج إطار الزواج، ما يعد خروجًا عن القانون يستوجب العقاب، بيد أن منظمات دولية ومحلية وجمعيات حقوقية تعتبره من ضمن الحريات، ويطالبون بإصدار تشريع ينظم عمليات الإجهاض.
أجلت جلسة محاكمة هاجر الريسوني المتابعة بتهم ممارسة الإجهاض بشكل اعتيادي وقبول الإجهاض من طرف الغير والمشاركة في ذلك والفساد ورفعت الأمين، وطبيب هاجر وطاقمه المساعد حيث (أجلت) إلى يوم الإثنين المقبل الموافق لـ 23 سبتمبر الجاريالمهتمون بهذا الملف يكيلون اتهاماتهم للبرلمان في تأخير إصدار القانون الذي صادقت عليه الحكومة قبل 4 سنوات، فيما يقول البرلمان إن الإجهاض يأتي ضمن مشروع كبير للقانون الجنائي، يحتوي على العديد من المواد الحساسة ويحتاج لوقت طويل لمناقشته.
وتشير الجمعية المغربية لمحاربة الإجهاض السري (جمعية مستقلة) إلى أن عدد عمليات الإجهاض السري بالمغرب تتراوح بين 50 ألف إلى 80 ألف حالة، بمعدل 200 عملية يوميا، فيما تسبب هذه العمليات وفيات لأمهات بنسبة تصل إلى 4.2 في المائة، و نسبة 5.5 في المائة من الوفيات بسبب مضاعفات بعد الوضع.
وبحسب منظمة الصحة العالمية تشير التقديرات إلى حدوث حوالي 25 مليون حالة إجهاض غير مأمون في العالم كل سنة معظمها في البلدان النامية.
وتشير المنظمة إلى أن التكاليف السنوية الناجمة عن علاج المضاعفات الرئيسية التي يسببها الإجهاض غير المأمون تبلغ 553 مليون دولار أمريكي.
وأكدت المنظمة على أنه يمكن الوقاية من معظم حالات الوفاة والعجز الناجمة عن الإجهاض من خلال التثقيف الجنسي واستخدام وسائل فعالة لمنع الحمل وتوفير خدمات الإجهاض المتعمد المأمون والمشروع وتقديم الرعاية في حينها عند ظهور المضاعفات.
الإجهاض غير الشرعي
وقبل 4 سنوات، وتحديدًا في مارس 2015، شكل الملك محمد السادس لجنة مكونة من وزير العدل والحريات ووزير الأوقاف ورئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، لإطلاق مشاورات لمراجعة القوانين المتعلقة بالإجهاض، وذلك بعد نقاشات حادة مجتمعية وسياسية بهذا الخصوص.
اللجنة الرئاسية أصدرت توصياتها بعد بشهرين من النقاش، والتي تتضمن السماح بالإجهاض في حالات جديدة، وهي اغتصاب أو زنا المحارم، والحالات التي تكون فيها الحامل مصابة بمرض من الأمراض المعتبرة في حكم الخلل العقلي، وحالات ثبوت إصابة الجنين بأمراض جينية حادة أو تشوهات خلقية خطيرة غير قابلة للعلاج وقت التشخيص، وعندما يشكل الحمل خطرًا على حياة الأم أو على صحتها.
صادقت الحكومة المغربية في 2016 على مشروع القانون، وأرسلته إلى لجنة العدل والتشريع البرلمانية، لإصداره إلا أنه ظل حبيس الأدراج إلى الآن، وقامت جمعيات حقوقية من بينها جمعية محاربة الإجهاض السري بعدة وقفات احتجاجية للمطالبة بإصدار التشريع.
ويعاقب الفصل 449 من القانون الجنائي المغربي “من أجهض امرأة حبلى أو يظن أنها كذلك، برضاها أو بدونه، سواء كان ذلك بطعام أو شراب أو عقاقير أو تحاليل أو تحايل أو عنف أو أي وسيلة أخرى، بالحبس من سنة إلى خمس سنوات، وغرامة من 200 إلى 500 درهم، وإذا نتج عن ذلك موت.
ويقول شفيق الشرايبي، وهو طبيب مغربي متخصص في أمراض النساء والتوليد، ويرأس الجمعية المغربية لمحاربة الإجهاض السري، إن اعتقال أطباء التوليد بسبب قيامهم بعمليات الإجهاض للنساء دفع أغلبهم إلى التوقف عن إجراء هده العمليات، الأمر الذي يجبر النساء إلى العودة للطرق التقليدية لإجهاض مما يسبب مضاعفات صحية خطيرة.
أسباب انتشار الظاهرة
وقالت خديجة الرياضي، منسقة التنسيقية المغاربية لحقوق الإنسان، والرئيسة السابقة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، إن “هناك أسبابًا عدة وراء انتشار عمليات الإجهاض غير الشرعية في المغرب، أبرزها الفقر الاقتصادي والاجتماعي، والذي خلف شبابا عاطلين عن العمل، وفتيات عانسات، اضطروا جميعهم إلى ممارسة العلاقات الجنسية قبل الزواج”.
وأضافت أن “المجتمع المغربي يعيش في تناقض صارخ، الكل ينادي بالقيم الأخلاقية ويرفضون تلك الأفعال، ويصدحون لوسائل الإعلام أن الدين والمجتمع يرفضها، لكنهم في الوقت نفسه يقيمون علاقات خارج إطار الزواج بنسب كبيرة طبقًا للدراسات والإحصائية التي تظهر هذا الأمر”.
وتابعت: “هذا التناقض الصارخ جاء بسبب القوانين المتخلفة التي لا تواكب تطور المجتمع، وطرق عيشهم، وطبيعة حياتهم ومتطالباتهم اليومية”.
التقنين الحل
وترى خديجة أن “مجرد التوعية من هذه الأفعال والمطالبة بمناقشتها، والحديث عن الثقافة الجنسية للشباب وتدريبهم على حماية أنفسهم تعتبر في المجتمع المغربي دعوة للفساد، وخروجًا عن التقاليد”.
وبشأن الحلول المطلوبة لمعالجة الأزمة، قالت: “يجب تقنين ممارسة الإيقاف الإرادي للحمل، ورفع التجريم عن عمليات الإجهاض، ومناقشة القوانين التي تحل تلك الأزمات المنتشرة”.
وبشأن عدم إصدار البرلمان لتشريع الإجهاض إلى الآن، أضافت الحقوقية المغربية: “لا توجد إرادة سياسية لتغيير هذه القوانين، وحتى الأحزاب التي تعتبر نفسها تقدمية وتدافع عن الحداثة لا تستطيع أن تهاجم النظام، وتفضل المحافظة على مصالحها، باستثناء الأحزاب غير الممثلة في البرلمان والتي أثارت هذه القضية، وأعلنوا الدفاع عن تلك السيدات المعرضة أرواحهم للخطر نتيجة تلك العمليات”.
ملف شائك وخطير
من جانبها قلت ليلى إميلي، الناشطة في الدفاع عن حقوق المرأة، ورئيسة جمعية “أيادي حرة”، إن “موضوع الإجهاض في المغرب موضوع شائك ومعقد جدًا، في ظل كوننا دولة إسلامية، هناك من يدعو فيها بالحق في الحياة لهذه الأجنة”.
وأضافت أن “ملك المغرب شكل قبل 3 سنوات لجنة ثلاثية لمناقشة تلك الأزمة”، مشيرة إلى أن “اللجنة جاءت بعد نقاش وصراع طويل عرفه المغرب حول تلك القضية المثيرة”.
وأكدت إميلي أن “اللجنة خرجت بــ3 حالات تم السماح فيها للفتيات بعمليات الإجهاض، هم حالة الحمل من المحارم، وعمليات الاغتصاب، والتشوه الخلقي”.
وتابعت: “إلا أن القانون القرار لا زال يلامس مطالب الاحتشام والعقليات التي ترى أنه لا يتناسب مع المجتمع الإسلامي، ونحن في المجالس الحقوقية حذرنا من خطورة عرقلة ذلك، بعد أن تسبب في عمليات الإجهاض السرية والتي تتم بطرق غير مشروعة، وتؤدي إلى الكثير من الوفيات”.
حالات ضرورية
ومضت قائلة: “الموضوع صعب وشائك، وكلما حاولنا التحدث عنه نتعرض لهجوم حاد من قبل الفقهاء ورجال الدين، الذين يكفرونا ويرون أننا نهدم ثوابت الدين”.
وأشارت إلى أن “القانون أصبح محددًا في ت