ترسيم الحدود البحرية… انتصار لبناني أم مراوغة إسرائيلية
بعد سنوات طويلة من النزاع، أعلن لبنان إحرازه تقدما كبيرا في ملف ترسيم الحدود البحرية والبرية مع إسرائيل.
ويأتي الإعلان بالتزامن مع قول مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط، ديفيد ساترفيلد، إنه أبلغ المسؤولين في لبنان بموافقة إسرائيل على بدء التفاوض من أجل ترسيم الحدود.
وفيما اعتبر البعض الأمر نجاحا للدبلوماسية اللبنانية، شكك آخرون في نوايا إسرائيل وأمريكا بشأن الاتفاق، مؤكدين أنه يأتي في إطار التسويق لصفقة القرن.
رياض عيسى سياسي وناشط مدني لبنان، قال إنه “من حيث المبدأ نجحت الدبلوماسية اللبنانية أخيرا في إجبار إسرائيل على القبول بترسيم الحدود البرية والبحرية بشكل متزامن، إضافة إلى جعل منظمة الأمم المتحدة شريكة وراعية لهذه المفاوضات”.
وأضاف في تصريحات خاصة لـ”سبوتنيك”، أن “هناك شبه إجماع لبنان حول قضية ترسيم الحدود، والنتائج ستنعكس إيجابيا على لبنان، وتجعله يستفيد من موارده المائية والبرية بشكل أكبر”.
وأكد أن “المحادثات تجعل لبنان لأول مرة أمام محطة تاريخية، وستسمح بطرح أزمة مزارع شبعا على طاولة المفاوضات الدولية، للاستفادة من الزخم المحيط”.
خدعة إسرائيلية
وأشار السياسي اللبناني إلى أن “هناك تخوفا من أن تماطل إسرائيل بهذه المفاوضات، وتضع العراقيل لتربح مزيدا من الوقت، ما يعني استفادة أكبر بالنفط على الحدود”.
وأكمل: “نخشى ما نخشاه أن يكون لإسرائيل — المعروفة بمكرها- أهدافا خبيثة من وراء تلك المباحثات، وأن تحاول ربطها بصفقة القرن، الجاري إعدادها حاليًا، خصوصا وأن إسرائيل لا تعطي شيئًا بشكل مجاني دون مقابل”.
وأنهى عيسى حديثه قائلا: “في النهاية هناك ارتياح عام بلبنان، والتوافق يبدد كل المخاوف السابقة”.
ماهية التفاوض
من جانبه قال المؤرخ والأكاديمي اللبناني عصام خليفة، إن “لبنان سبق وأن رسم حدوده البرية مع إسرائيل بعد الهدنة التي عقدت عام 1949، وهناك خرائط بالعبرية والإنجليزية”.
وأضاف في تصريحات لـ “سبوتنيك”، أن “لبنان لا يمكنه إعادة النظر في الترسيم البري بحسب ما تنص عليه المادة الخامسة من اتفاق الهدنة”، مؤكدا في الوقت نفسه أن “الحدود البحرية هي من تحتاج لترسيم”.
وأكد المؤرخ اللبناني، أن “لبنان حاول ترسيم الحدود البحرية من قبل مع قبرص، لكنها أخلت بالاتفاق، حيث قامت بترسيم حدودها مع إسرائيل بدون موافقة لبنان، وهو ما يعد مخالفة للمادة الثالثة من اتفاق الترسيم، واعترض لبنان وقدم مذكرة، ولايزال النزاع قائما”.
وعن اعتبار الموافقة الإسرائيلية انتصار للبنان، قال خليفة: “ليس هناك معلومات دقيقة عن ماهية التفاوض، وعن إمكانية احترام أمريكا للقانون الدولي، وأنها لن تنحاز إلى الجانب الإسرائيلي”، مستطردا “الأيام ستكشف لنا”.
ترسيم الحدود
وشهد لبنان، في الأيام الماضية، تحركات دبلوماسية أمريكية نشطة حاولت من خلالها القيام بدور الوسيط بين بيروت وتل أبيب بشأن مسألة الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل.
وشكلت تنقلات مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط، دايفيد ساترفيلد، بين بيروت وتل أبيب إعادة تحريك قضية ترسيم الحدود البحرية الرسمية بين البلدين والتي تحاول الولايات المتحدة من خلال دورها إبقاء لها بصمة ولو صغيرة تذكر للمستقبل المثمر للبلدين على صعيد تنقيب النفط واستخراجه.
وأبلغ ساترفيلد المسؤولين اللبنانيين موافقة إسرائيل على بدء التفاوض من أجل ترسيم الحدود البحرية والبرية بين البلدين، فور الاتفاق على بعض التفاصيل، وفق وكالة “فرانس برس”.
وغادر ساترفيلد بيروت الثلاثاء الماضي، بعد زيارة لبنان للمرة الثانية في أقل من أسبوع تخللته زيارة إلى إسرائيل، وذلك في إطار وساطة يضطلع بها بين البلدين لترسيم الحدود لاسيما البحرية، مع استعداد لبنان لبدء التنقيب عن النفط في رقعة تضم جزءا متنازعا عليه بين البلدين.
وحمل ساترفيلد، وفق ما أعلنت الرئاسة اللبنانية الأسبوع الماضي، إلى إسرائيل اقتراحا قدمه لبنان حول آلية التفاوض.
ورقة لبنانية
قال رئيس مجلس النواب اللبنانى نبيه بري، إن “هناك تقدما واضحا في ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية للبلاد مع إسرائيل، وذلك خلال المباحثات مع ديفيد ساترفيلد، مشيرا إلى وجود “موافقة على الورقة اللبنانية” المتضمنة الموقف العام إزاء هذا الملف.
جاء ذلك خلال “لقاء الأربعاء النيابي” والذى يعقده بري بشكل أسبوعي مع عدد من أعضاء مجلس النواب اللبناني لمناقشة الأوضاع داخل البلاد ومنطقة الشرق الأوسط.
وأعرب رئيس المجلس النيابي عن تفاؤله بتطورات إيجابية في ملف ترسيم الحدود البحرية، معتبرا أن وحدة الموقف السياسي اللبناني في هذا الموضوع، كان لها الدور الأساسي في تحقيق التطورات الإيجابية الراهنة، مبديا التفاؤل بـ “انتصار الموقف اللبنانى الرسمي والسياسي والشعبي”.
ويتولى ساترفيلد مسؤولية ملف ترسيم الحدود البرية والبحرية المتنازع عليها بين لبنان وإسرائيل، وسبق له وأن قدم طروحات للمسؤولين اللبنانيين بشأن ترسيم الحدود البحرية، وهو الملف الذى يسعى لبنان إلى حسمه سريعا حتى يتسنى له الاستفادة من المنطقة الاقتصادية الواقعة ضمن مياهه الإقليمية في البحر المتوسط التى تضم حقول النفط والغاز.
يشار إلى وجود نزاع بين لبنان وإسرائيل على ترسيم الحدود البرية والبحرية، وتطورت الخلافات مؤخرا في ضوء اكتشافات حقول النفط والغاز في البحر المتوسط، خاصة في المناطق الحدودية والحقول النفطية التي تقع في أماكن مشتركة بين البلدين.
وبدأت إسرائيل قبل أسابيع قليلة أعمال الحفر والتنقيب فى حقل (كاريش) البحري الإسرائيلي والذي يبعد نحو 5 كيلومترات فقط عن الحدود البحرية اللبنانية، وكذلك أعمال استكشاف حدودية لحقول نفط وغاز في البحر المتوسط و”آبار إنتاجية” مشتركة بين البلدين، على نحو يخشى معه لبنان أن تسحب إسرائيل من حصته النفطية في تلك الحقول المشتركة.
ويستعد لبنان لبدء التنقيب عن النفط والغاز في رقعتين في مياهه الإقليمية، رغم التوتر القائم مع إسرائيل على خلفية جزء متنازع عليه في الرقعة المعروفة برقم 9، ومن المفترض أن يبدأ الحفر في الرقعة رقم 4 منتصف ديسمبر، على أن يليه البلوك الرقم 9 بعد أشهر.
وشهد لبنان في 2006 حربا دامية بين إسرائيل وحزب الله استمرت 33 يوما وقتل خلالها 1200 شخص في لبنان معظمهم مدنيون و160 إسرائيليا.
وانتهت الحرب بصدور القرار الدولي 1701 الذي أرسى وقفا للأعمال الحربية بين إسرائيل وحزب الله وعزز انتشار قوة الأمم المتحدة الموقتة في جنوب لبنان، ودعا إلى احترام كامل للخط الأزرق الذي وضعته الأمم المتحدة ليقوم مقام الحدود بين البلدين.
وهناك نقاط عدة على هذا الخط يتنازع عليها البلدان، أبرزها مزارع شبعا.