معركة الموصل تتصاعد والمدنيون عالقون وسط النيران والجثث ملقاة في الشوارع
بصعوبة راح شهاب عايد وعدد آخر من الرجال يدفعون عربة تحمل جثتي ابنه وزوجته الملفوفتين في بطانية عبر خندق موحل على بعد ثلاثة كليومترات من بيت الأسرة المتهدم في الموصل.
وخلفهم جاءت أربع عربات أخرى محملة بجثث قضى أصحابها نحبهم قبل أيام في غارات جوية قال الرجال إنها أسفرت عن سقوط 21 قتيلا من أقاربهم وجيرانهم في منطقة يسيطر عليها مقاتلو تنظيم داعش في وقت سابق من الأسبوع.
سحب عايد العامل البالغ من العمر 40 عاما البطانية فظهر ابنه الوحيد أحمد الذي مات وعمره ثلاثة أعوام ونصف العام جثة هامدة مغمضة العينين وبالخد الأيمن فتحة كبيرة.
وقال عايد “الغارات دمرت ثلاثة بيوت.”
وأضاف “مقاتلو داعش كانوا يطلقون النار من بيتنا ومن الطريق في الخارج وكنا نختبيء في الداخل. وبعد 15 دقيقة وقعت الغارات.”
وقال والدموع تطفر من عينيه “أخرجنا الجثث من وسط الركام والآن سندفنها ثم أعود لبناتي الثلاث الباقيات.”
وتابع أن روائح تحلل الجثث بدأت تفوح لكن الوضع لم يصبح آمنا بما يكفي لمغادرة الحي سوى الآن بعد اختفاء مقاتلي التنظيم منه ودفع العربات إلى مطار الموصل حيث يمكن لحافلة نقل الجثث إلى أقرب قرية لدفنها.
وأحصى مراسل رويترز حوالي 15 جثة على العربات.
أصحاب هذه الجثث هم أحدث ضحايا يسقطون عرضا في المعركة المتصاعدة بين القوات العراقية المدعومة من الولايات المتحدة ومقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية المتحصنين في وسط الموصل آخر معاقلهم الكبرى في العراق.
وقد أبدت جماعات حقوقية قلقها لتصاعد أعداد القتلى في صفوف المدنيين إذ يقاتل مسلحو التنظيم من البيوت والمناطق ذات الكثافة السكانية العالية ويرد الجيش العراقي والتحالف الذي تدعمه الولايات المتحدة على هذا التهديد باستخدام أسلحة ثقيلة لدعم القوات على الأرض.
وتحدثت أسر هاربة من الموصل في الأسابيع الأخيرة عن ارتفاع أعداد القتلى من المدنيين في الغارات الجوية وقالت إن مقاتلي التنظيم يفرون في كثير من الحالات قبل أن تسقط القنابل.
وقال محمد محمود ضابط الشرطة السابق البالغ من العمر 40 عاما لرويترز في منطقة أخرى من الموصل “عندما يرى التحالف قناصا على بيت تمر خمس أو عشر دقائق قبل قصف البيت.”
وأضاف مستخدما اسما شائعا للتنظيم “لكنهم لا يقتلون مسلحي داعش. فداعش ينسحبون والغارات تقتل المدنيين. أسر بأكملها.”
ومن الأساليب التي لجأ إليها التنظيم منذ بدء الهجوم على الموصل في أكتوبر تشرين الأول الماضي استخدام السيارات الملغومة والقناصة وإمطار القوات والسكان على السواء بالقذائف والاحتماء بين السكان المدنيين.
ويوم الجمعة بينما كان عايد ومن معه يدفعون عربات الموتى كانت طائرات الهليكوبتر تقصف مواقع في الموصل كما أطلقت قوات صواريخ جراد من منطقة بعيدة على المدينة.
* أكياس الجثث
قالت منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية إن المعركة التي تستهدف السيطرة على الشطر الغربي من الموصل “أقذر وأشد فتكا بالمدنيين” من معركة استعادة الشطر الشرقي التي اكتملت فصولها في يناير كانون الثاني الماضي.
وقالت المنظمة إن وحدات وزارة الداخلية العراقية استخدمت في الآونة الأخيرة صواريخ غير موجهة في غرب الموصل.
وأضافت في بيان أن “طبيعتها العشوائية تجعل استخدامها في المناطق المأهولة بالمدنيين انتهاكا خطيرا لقوانين الحرب.”
من ناحية أخرى تقول الأمم المتحدة إنها تلقت تقارير كثيرة عن مقتل مدنيين في الغارات الجوية.
ولم يتضح عدد القتلى من المدنيين في حملة الموصل سواء على أيدي التنظيم بما في ذلك الإعدامات أو بنيران القوات العراقية والتحالف وتباينت تقديرات السكان ومؤسسات الرقابة والجيش.
ويعترف التحالف الذي يدعم القوات العراقية بالقوة الجوية والمستشارين العسكريين بالتسبب في وفيات غير مقصودة بين المدنيين.
وهذا الشهر قال الجيش الأمريكي إن العدد الإجمالي من المدنيين الذي قتلته نيران التحالف منذ بداية العمليات ضد التنظيم عام 2014 في العراق وسوريا يبلغ 220 فردا.
ويقل هذا التقدير عن تقديرات بعض جماعات المراقبة.
وتقول جماعة ايروورز التي يديرها صحفيون لمراقبة الخسائر البشرية في صفوف المدنيين إن ما لا يقل عن 2590 مدنيا قتلوا على الأرجح بنيران التحالف منذ عام 2014 من بينهم عشرات في الموصل في الأسبوع الأول من شهر مارس آذار الجاري وحده.
وقال مسؤولون عسكريون إن قوات التحالف والقوات العراقية حرصت في الغالب على تحاشي سقوط قتلى بين المدنيين وهو ما كان سببا في إبطاء تقدم بعض العمليات الهجومية في شرق الموصل العام الماضي.
لكن معركة الشطر الغربي التي توجد فيها المدينة القديمة أصعب واستطاع مقاتلو التنظيم تثبيت القوات العراقية أياما في بعض المناطق دون تحقيق أي تقدم يذكر.
وتبين الشواهد أن مستوى التدمير أكبر حيث سويت عشرات المنازل بالأرض وامتلأت طرق بالحفر الكبيرة من جراء الضربات الجوية.
وفي حي المأمون حيث كان الدمار واسعا كان أحد الرجال يسير بتثاقل يوم الثلاثاء الماضي في طريق يغطيه الوحل بحثا عن أكياس للجثث.
وقال الرجل ويدعى فيصل بلهجة أقرب إلى تقرير الواقع “عندي 18 جثة أحتاج لدفنها. عائلة أخي.”
وأضاف أن الجثث ملقاة في الحديقة الآن.