ما هي أسباب العداوة بين خليفة حفتر وإبراهيم الجضران؟
بعد تمكن الجيش الذي يقوده خليفة حفتر من السيطرة على منطقة الهلال النفطي التي ظلت لسنوات تحت حماية وتصرف حرس المنشآت النفطية الذي يرأسه إبراهيم الجضران، تبرز معطيات جديدة في ليبيا من شأنها أن تغير من موازين القوى والنفوذ في ليبيا، فهل أنهى حفتر سلطة منافسه الجضران على النفط وعّزز نفوذه ؟ وما هي أسباب العداوة بينهما؟
“أكون أو لا أكون” يكاد يكون شعار المعركة الدائرة بين قائد الجيش خليفة حفتر وآمر حرس المنشآت ابراهيم الجضران ومحورها النفط، فالطرفان يعلمان أن السيطرة على الموانئ النفطية هي ورقة الربح التي تخول لهم كسب مزيد من النفوذ والقوة وتضمن لهم البقاء في الساحة والمشاركة في صياغة المشهد في ليبيا.
لكن التطورات الأخيرة في البلاد والمعطيات الجديدة أعادت حفتر إلى القمة وسحبت البساط من تحت أقدام ابراهيم الجضران الذي اختفى عن الأنظار منذ دخول قوات حفتر إلى منطقة الهلال النفطي ونجاحها في السيطرة على المنشآت والحقول التي فيه.
محمد العزومي عنصر في أحد الكتائب التابعة لجيش حفتر والمتواجدة في منطقة الهلال النفطي استبعد في تصريح لـCNN بالعربية، أن يكون الجضران بصدد تنظيم صفوفه لإعادة الهجوم ومحاولة استعادة السيطرة على الحقول النفطية، خاصة بعد أن سلمت عدة عناصر تابعة لحرس المنشآت نفسها لقيادة جيش حفتر وانضوت تحته، مشيرا إلى أن أمره انتهى.
لكن المتابعة والتغطية المتواصلة للأحداث في ليبيا تعلّم أن المعارك والصراعات في هذا البلد لا تنتهي بسهولة ولا تلعب بجولة واحدة وهو ما يعني احتمال رجوع الجضران في أي وقت للرد على هذه الهزيمة، فهذا الرجل الشاب لن يقبل بسهولة انتهاء دوره خاصة إذا كان منافسه يسمى حفتر.
وإلى وقت ليس بالبعيد كان الرجلان صديقين ورفيقي حرب ضد قوات ما سُمي حينها بـ “عملية الشروق” التي أطلقتها قوات فجر ليبيا لتحرير الموانئ النفطية من سيطرة حرس المنشآت، واتحد الاثنان للدفاع عن النفط، كما كان الاثنان يدعمان حكومة الشرق ضد حكومة الإسلاميين.
إلا أن العداوة انطلقت بينهما عندما هاجم تنظيم داعش حرس المنشآت ولم يدعم حفتر آنذاك الجضران بعد أن رفض الأخير الانضواء تحت الجيش والخضوع لسلطته، زد على ذلك إعلان دعم الجضران وموالاته لحكومة الوفاق التي لا يعترف بها حفتر ويعتبرها غير شرعية.
بعد توتر العلاقة بينهما اعتبر الجضران في تصريحات عديدة أن حفتر أصبح عدوًا بالنسبة له مثله مثل داعش ووصفه بالرجل المهووس بالسلطة الذي يريد أن ينقلب على الديمقراطية، بينما أصبح حفتر ينظر إلى الجضران على أنه منافس شرس له يسعى إلى إقصائه من المشهد وإلى لعب دور رئيسي في مستقبل البلاد.
ولا أحد ينكر أن الرجلين احتلاّ مكانة كبيرة في ليبيا، فحفتر برز عندما نجح في تحرير الكثير من مناطق مدينة بنغازي من الجماعات المتشددة وخلّص أغلب أحيائها من مقاتلي هذه الجماعات في إطار عملية الكرامة، بينما سطع نجم ابراهيم الجضران عندما نجح في وقف تقدم تنظيم داعش باتجاه الهلال النفطي ومنع سيطرته على المنشآت النفطية.
وينتمي الجضران (33 عاما) إلى قبيلة المغاربة، وهي من أهم القبائل في الشرق الليبي وفي أجدابيا وتقطن في المناطق المحيطة بالموانئ النفطية ، ويعدّ من ضمن من تحرّكوا مبكراً لإسقاط نظام العقيد معمر القذافي في ثورة 17 شباط 2011، كما أنّه من دعاة إنشاء النظام الفيدرالي واقتسام السلطة والثروات بين الأقاليم في البلاد.
ومن جهته ينتمي حفتر (67 سنة) إلى قبيلة الفرجان التابعة لمدينة سرت، انشق عن نظام العقيد السابق معمر القذافي في أواخر ثمانينيات القرن العشرين، ثم عاد إلى ليبيا بعد انتفاضة فبراير 2011 وشارك في العمل السياسي والعسكري قبل أن يعين قائدا عاما للجيش في 2015 ليتم ترقيته هذا الشهر إلى رتبة “مشير” من قبل برلمان طبرق.
وتمتلك القبائل في ليبيا نفوذا كبيرا، ليس اجتماعيا فحسبـ بل كذلك تلعب دورا أساسيا في السياسة كما أنها طرف قوي على الأرض، فمن يضمن ولاء القبائل خاصة في طرابلس وبنغازي يضمن الحكم، ولهذا ركزّ كل من حفتر والجضران على ذلك من أجل الحصول على الشرعية ونجح الاثنان في كسب عدة ولاءات قبلية فتحت لهم الطريق لدعم حظوظهم في البقاء.
واستطاع الجضران في بداية مشواره أن يحظى بدعم قبلي غير مسبوق خاصة من قبيلته ، أثناء سيطرته على المناطق النفطية وجعلت منه شخصا مهما في ليبيا وخارجها، لكن سرعان ما فقد الكثير من الشعبية داخل بلده بعد تسببّه في إيقاف تصدير النفط، فتنصلت منه القبائل وأدارت ظهرها له لتعلن وقوفها بجانب قوات حفتر ومشروعه.
وكان الجضران وراء عملية إيقاف تصدير النفط التي كبّدت البلاد خسائر كبيرة بالمليارات في السنوات الأخيرة، كما اشترط على حكومة الوفاق الوطني إعادة فتح بعض الحقول النفطية شرط الحصول على حصة من المال لقواته ، وبسبب هذه القرارات والمواقف خسر شعبيته ووُجهت له تهما بتحوله إلى عقبة أمام الاستفادة من عائدات النفط وبخدمة مصالحه الشخصية على حساب مصلحة البلاد.
ومن وراء ذلك نجح حفتر في سحب ولاء قبيلة المغاربة التي ينتمي إليها الجضران لصالحه، كما استفاد من الدعوة التي وجهتها لعناصر حرس المنشآت بعدم مواجهة جيش حفتر وتمكن من ضم العديد منهم إلى جيشه بعد إعلانهم الانشقاق عن الجضران.
وفتحت هذه المكاسب الطريق أمام حفتر للتقدم في منطقة الهلال النفطي وإزاحة قوات إبراهيم الجضران ليصبح الرجل الأقوى الآن في الشرق وفي ليبيا ويعيد بذلك خلط الأوراق من جديد في ليبيا بعد تغير موازين القوى على الأرض.