حرب البترول العالمية الثانية”السعودية وإيران وروسيا”بقلم:صالح بن عبدالله السليمان
حرب البترول العالمية الثانية”السعودية وإيران وروسيا”
بقلم:صالح بن عبدالله السليمان
أقول ذلك على غرار الحرب العالمية الأولى والثانية, ولكنها بدو ن دماء تراق ولا بنى تهدم,”الحرب البترولية العالمية الأولى” كانت عام 1973 قامت بها دول الخليج ردا على تحيز أمريكا الفج والفاجر لصالح إسرائيل. واذكر ما قاله وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كسينجر في مذكراته أنه عندما التقى الملك فيصل في جدّه , عام 1973, في محاوله لإثنائه عن وقف ضخ البترول , رآه متجهما ً , فأراد أن يستفتح الحديث معه بمداعبه فقال ” إن طائرتي تقف هامدة في المطار بسبب نفاد الوقود , فهل تأمرون جلالتكم بتعبئتها ,وأنا مستعد للدفع بالأسعار العالمية ؟ ! . يقول كيسنجر : ” فلم يبتسم الملك , بل رفع رأسه نحوي , وقال : وأنا رجل طاعن في السن , وأمنيتي أن أصلي ركعتين في المسجد الأقصى قبل أن أموت فهل تساعدني على تحقيق هذه الأمنية؟! وما يحدث اليوم هي الحرب البترولية العالمية الثانية؟
عندما كتبت مقالي ” حرب البترول بين السعودية وإيران وروسيا بالأرقام ” وهو أول مقال ينشر يتكلم صراحة عن الحرب النفطية المشتعلة الآن , خرج بعض الأخوة يقول أن تحليلي كان خاطئا ,وان السعودية ودول الخليج اضعف سياسيا من أن تقوم بمثل هذه الحرب على أقوى قوتين عالميتين روسيا وأمريكا.
وكيف أن أمريكا مستفيدة هذا الانخفاض.وان تنوع الاقتصاد الإيراني سوف يجعلها تتجاوز انخفاض أسعار البترول.
ولكن بعد فترة لا تزيد عن عشرة أيام وجدت الكثير من وسائل الإعلام العالمية تنقل من مقالي المذكور,كالبي بي سي التي نشرت قبل يومين مقال لأحد محلليها يورد الذي قلته في مقالي .
نعم هي حرب بترولية بين السعودية ومن ورائها دول الخليج العربي ضد إيران وروسيا, وقرص إذن لمراكز القرار الأمريكي. ولنرى النتائج التي ظهرت إلى الآن لنعلم صحة قولي في هذه الحرب.
قال الرئيس الإيراني حسن روحاني “السبب الرئيسي (للهبوط) هو مؤامرة سياسية حاكتها دول بعينها ضد مصالح المنطقة والعالم الإسلامي وتصب في صالح بعض الدول الأخرى فقط.
بالطبع نحتاج من السيد روحاني التوضيح, ماذا يقصد بمصالح المنطقة ومن هم الداخلون في هذه التسمية, ولماذا يتضرر العالم الإسلامي بالانخفاض.
وحتى لا يدخل السيد روحاني بالتناقض نجد انه اغفل عن ذكر الدول المتآمرة ,لأنه لو ذكرها لما كان لتصريحه معنى. فانخفاض أسعار البترول حرب تشنها دول إسلامية,, لا بل أهم الدول الإسلامية وهي في قلب المنطقة, إذن هو تصريح شعبوي إعلامي من الدرجة الأولى ولا يضع الأمور في نصابها, وعدل وزير النفط الإيراني بيجن زنغنة بعض من هذه اللهجة ,فقال الوزير “إن استمرار المسار النزولي لسعر النفط في الأسواق العالمية هو مؤامرة سياسية تذهب إلى أبعد مدى”
المسئولين الإيرانيين لم يصرحوا بان الحرب النفطية تشنها دول إسلامية ومجاورة لإيران عليها بعد أن يئست هذه الدول من أوربا و أمريكا في وضع حد للطموح الإيراني في السيطرة على المنطقة وإثارة القلاقل فيها وتهديدها امنيا واجتماعيا ,ومحاولة نشر مبدأ ولاية الفقيه الإيراني وتنصيبه سيدا ورئيسا مطاعا على جميع دول المنطقة.وعبثها في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
هذا اليأس السعودي الخليجي من التعامل الغربي مع إيران دفعها لتولي الأمر بنفسها بمعزل عن جميع القوى الأخرى, فإيران مثلا استفادت شهريا من تمديد اتفاق النووي مع الغرب بالإفراج عن ٧٠٠ مليون دولار لكنها بدأت تخسر ٧ مليار دولار شهريا بسبب حرب أسعار النفط.
الميزانية العامة الإيرانية المبنية على أساس سعر 134 دولارا للبرميل أصبحت تعاني عجزا كبيرا, ولا يمكن لإيران تمويل مغامراتها وطموحها في الخارج الذي بلغ مستوى كبير بدخولها إلى اندونيسيا وماليزيا ودول أفريقيا وبميزانيات ضخمة, عدا عن حربها ضد الثورة السورية والثورة العراقية وحزب الله.وتمويل خلاياها في دول الخليج العربي. وهي لا تملك احتياطي نقدي لتواجه مثل هذا العجز.
أما بالنسبة لروسيا وهي الحليف الأقوى لإيران والنظام السوري , فتأثره بهذه الحرب واضح للعيان , وقد قال احد الإعلاميين أن الروبل الروسي يمكن تشبيهه بالعملة الصومالية التي فقدت قيمتها, وفشلت كل المحاولات الروسية لوقف تدهور الروبل حتى بعد أن رفع البنك المركزي الروسي سعر الفائدة ليصل إلى 17 في المائة بعد أن كان 10.5 في المائة, وبدا الاقتصاد الروسي بالتراجع الحاد والذي اعترف به الرئيس بوتين حيث عزا الرئيس الروسي الوضع الصعب الذي يمر به اقتصاد البلاد إلى عوامل ” خارجية ” بالدرجة الأولى، وضعف تنوع الاقتصاد في الدرجة الثانية.
وسبقه وزير المالية الروسي انتون سيلوانوف، الذي صرح في وقت سابق أن روسيا تفقد نحو 140 مليار دولار سنويا لأسباب أهمها انخفاض أسعار البترول, وقد ذكرت صحيفة فايننشال تايمز في عددها الأخير إن روسيا هي الدولة الأكثر تضررا من هبوط أسعار النفط
تضرر عميق للاقتصاد الروسي سبب انخفاض الروبل لنصف قيمته وما زال يتدهور , وظهرت علامات انهيار وشيك .
جميعهم , إيران وروسيا تكلموا عن مؤامرات خارجية لما يحدث في اقتصاد بلادهم , لم يتكلموا صراحة عن السعودية والخليج, فاعترافهم بهذا يجعل شعوبهم تضغط عليهم للجلوس والتفاوض مع هذه الدول, مما سيفضح سوء سياساتهم الخارجية, وإهمالهم ومسهم مصالح دول تؤثر في السياسة الدولية والاقتصاد العالمي وتجاهلهم لها. مما قد يصنف إلى حماقة سياسية واقتصاديه. لا يعلمون عواقبها داخليا.
تكلمت في مقالي السابق أن السعودية ودول الخليج تقرص أذن الولايات المتحدة , ونتج عن هذه القرصة توقف أو شبة توقف لتطوير إنتاج النفط الصخري والذي استثمرت الولايات المتحدة فيه مليارات الدولارات, وأيضا توقف الاستكشاف النفطي في القطب الشمالي حسب ما أعلن سابقا,
أما ما يخص الولايات المتحدة احد اكبر الدول المنتجة للبترول في العالم , فانخفاض أسعار البترول وإن كان سيوفر وقودا رخيصا للفرد الأمريكي ولكنه سيضر بمصالح الشركات المنتجة وهي مؤثرة في القرار السياسي الأمريكي, وبمبلغ الضرائب المحصلة للحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات, مما سيخفض العائد الضريبي, ونعلم حجم العجز في الميزانية ألإتحاديه , والدين العام الأمريكي المرتفع, أضف إليه انخفاض العائد الضريبي, تعلم حجم المشكلة التي تعاني منها الحكومة الفيدرالية.
يقول قائل , الانخفاض يضر بالعائد على السعودية ودول الخليج مثل ما يضر غيرها , أقول نعم, وهذا النوع من الفكر هو ما جعل أسواق الأسهم في السعودية والخليج تنخفض, ولكن برؤية أخرى نجد أن هذا غير دقيق !!
أولا:- حكومات السعودية والخليج وبسبب الاستقرار السياسي الذي تتمتع به ولقدرتها الكبيرة على التأثير بالأسواق تجعلها قادرة على أن تبيع جزء كبير من إنتاجها بعقود طويلة, وهذه العقود لا تتأثر بالسعر الحالي للنفط,
ثانيا:- البديل عن هذا النوع من الحرب الاقتصادية يجعلها عرضة للحرب من النوع الثاني, حيث يحصل تدمير وقتل, تدمير للبنى التحتية وقتل للإنسان على هذه الأرض,لذا كان الخيار الاقتصادي هو الأنسب والأوفر.
ثالثا:- السعودية ودول الخليج تتمتع باحتياطيات نقدية هائلة جعلت المملكة مدعوة لدخول نادي العشرين, وهذه الاحتياطيات ظهر تأثيرها واضحا في الميزانية العامة الجديدة لعام 2015 للمملكة, التي زادت عن ميزانية عام 2014 وسيمول العجز فيها من الاحتياطي العام.
رابعا:- مصروفات السعودية ودول الخليج تكاد تنحصر في الشأن الداخلي ورفاهية المواطن, لذا يمكن التحكم بها بكل سهوله, بينما الميزانية الإيرانية تهمل الشأن الداخلي لصالح الأطماع الخارجية, ومثل هذا النوع من الالتزامات الخارجية يصعب التحكم فيه, فكل عملياتها في الخارج تحتاج للتمويل الفوري, وبنقص الواردات يصبح هذا مستحيلا.
خامسا:- ما حدث في أسواق الأسهم الخليجية له شقان , الشق الأول هو خوف صغار المساهمين من التدهور وعدم معرفتهم بالذي يحدث حولهم جعلهم يسارعون للتخلص مما يمتلكون من أسهم وهذا حرك سياسة القطيع لتغطي على المشهد , وثانيا, كبار المضاربين أشعلوا هذا الرعب وسياسة القطيع فطرحوا جزء من أسهمهم للبيع . أضف إلى ذلك ضعف الثقة بالأنظمة التي تحكم أسواق المال بالسعودية والخليج ولد عدم ثقة كبير.
واكبر دليل على عدم وعي المتعاملين بالسوق, أننا نجد أسهم شركات البتروكيماويات تنخفض, بينما انخفاض أسعار البترول بالنسبة لها هو مزية ونقطة لصالحها, لان انخفاض أسعار المواد الخام يخفض سعر المنتج مما يكسبه منافسة في الأسواق العالمية.
نحن الآن في انتظار ردة فعل الطرف الآخر, إيران وروسيا, هل يستسلمون للضغط الاقتصادي أو يحاولون إثارة مشاكل وصراعات ترفع أسعار النفط مرة أخرى ؟
كلنا بالانتظار
صالح بن عبدالله السليمان