المواطن والسلطة .. من “يرفض” من؟!! ومن “ينصب” على من ؟!!
المواطن والسلطة .. من “يرفض” من؟!! ومن “ينصب” على من ؟!!
شمس شناعة (صحفي فلسطيني من غزة)“أنت تعيش في أدغال أفريقيا”، يرد عليه خصمه: “بل أنت الذي يعيش في أدغال أفريقيا”، الخصمان الظريفان هنا لم يدخلا أفريقيا أصلاً، ولم تطأها أقدامهما، ومطلوب من الشعب الفلسطيني كله أن يقف ليقول فلان على حق أو أن خصمه هو الذي على حق، شيء يشبه اصرار أحد الخصوم على أن البطيخة هي خيارة بينما يصر الآخر على أنها فقوسة، ويبدأ الشجار ويحتكمان للشعب الذي عليه أن يقرر هل البطيخة هي خيارة أم فقوسة، هذا بالضبط ما تصر الفصائل على أن تمرره علينا، في عملية خداع متواصلة لشعبٍ ملّ من مرجعياته السياسية، وكره اللحظة التي دُعي فيها ليقول موقفه من منظمات الإدارة ليجد نفسه غارقاً حتى أذنيه بين أرطبونات السياسية والحزبية، في أكبر عملية غش وخداع يتعرض لها شعب على مدار التاريخ الإنساني.
يذكرنا حديث ساستنا عن “أدغال أفريقيا” بعبارة كنا نسمعها صغاراً ونرددها من ألسنة العامة وإلى آذان العامة، “هاد جاي من الهونولولو”، كنا نعتقد أن الهونولولو هي مستشفى مجانين أو مكان خارج نطاق الجغرافيا وخارج نطاق الحضارة، ثم تبين لنا بعد ذلك أن الهونولولو هي شاطئ جميل يطل على المحيط ويتبع ولاية هاوي الأمريكية، وعندما يتقاعد كبار قادة الجيش الأمريكي، يحصلون على ثروة ضخمة تسمح لهم بشراء “شاليه” في الهونولولو والعيش ما تبقى لهم من أعوام في هذه الدنيا داخل هذه الجنة الصغيرة، كما يذكرنا سجال فتح وحماس بكلمة كنا نسمعها “راح أوديك على مالطا”، واعتقدنا أن مالطا هذه هي آخر الدنيا، ولما كبرنا عرفنا أن أقرب جزر المتوسط لنا هي جزيرة مالطا!!!
بالمناسبة، فإن الحديث عن الجغرافيا بهذا الشكل القريب من السخافة وقلة المعرفة وتعمق الجهل، لا يدلل فقط على ثقافة من يرددونه، وإنما يدلل على استخفاف هؤلاء بالناس، على قاعدة أن الناس “لا ترى إلا ما أرى”، ويصرون على أن يحكمونا بمنطق “ثقافة القطيع”، حيث تسير الخراف خلف راعيها حتى وإن كانت وجهته فيها هلاكها المحتم، والغريب أنهم يستمرئون هذه الحالة ويعجزون حتى عن الاصغاء لفكرة أن شعبهم يعي بآذان وأعين وبصيرة.
في الماضي الجميل،ورغم كل الاختلافات كان الزعيم الراحل ياسر عرفات يضع كل مقدرات الثورة، وكل ما تملكه منظمة التحرير الفلسطينية تحت تصرف الشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة، وكان هذا ديدنه في السياسة والنضال وحتى في توفير سبل العيش لأبناء وطنه، أي كان الشعب رعوياً عند ممثله، وكان ينتظر ما توفره الثورة لأبنائها كي يقتات الناس ويعتاشون، وهذا كان منهجه عند تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية، حيث كان يعمل على مدار الساعة من أجل توفير كل ما يلزم الناس، من رواتب ونفقات علاج مجاني ومساعدات زواج وحتى مساعدات لها علاقة بالإخصاب في حالة العقم، لأنه يعلم أن المواطن الفلسطيني حياته كلها معلقة بالأسرة والامتداد الاجتماعي، ولهذا بقيت السلطة تلعب دور “الأب” في حياة الناس الذين يشعرون أنهم بدونها سيدفعون أكبر الأثمان، أما اليوم ففي الحالة الفلسطينية أمور ينبغي التوقف عندها، فالوزير في الضفة الغربية يموت قتلاً وعلى الهواء مباشرة بيد جندي حاقد جاء يسلب الناس أرضهم ويصادرها ويزرع مكانها المستوطنات أو يبني عليها جداره العنصري، ثم يكون قرار القيادة أن التنسيق الأمني هو حاجة فلسطينية ماسة وينبغي ألا يتوقف، وفي غزة المواطن يموت ويقصف بيته وتدمر ممتلكاته وتنهار بنيته التحتية، ويعيش في العراء ومراكز الايواء ويدفع كل الأثمان، ثم يكون قرار الحكومة فرض المزيد من الضرائب على السلع التي يشتريها، وكأن لسان حال الفصيلين اللذين خدعانا باتفاق الوهم الذي يسمى اتفاق الشاطئ يقول لنا أن المواطن مطالب أن يموت في مقابل أن تحيا الحكومات، ولا ضير في زيادة كل أشكال المعاناة هنا وهناك مقابل أن يبقى “السادة” على كراسيهم وتعتاش أجهزة الوطن على كاهل شعبها!!
أما آن الأوان أن يتغير كل هذا؟، هل ما عاقل يقف ويقول كفى؟، هل من رجل رشيد ينتصر للفقراء والغلابا والمشردين ويقول كفانا لهواً، المواطن ملّ كذباً ووعوداً وملّ انتصارات واحتفالات، المواطن كره كل الساسة وبدأ يتحين فرصة الهروب من واقع الكآبة الذي فرضته الأحزاب، وقرر أن يهجر الوطن بعد أن هجره الوطن بتشديد فرص العيش بكرامة على أرضه، أوقفوا كل هذا العبث قبل أن تصلوا إلى مرحلة لن تجدوا فيها فلسطينياً واحداً مقتنعاً بالبقاء في وطنه.