لبنان – مراسم تشييع أسطورية على مدى يومين للشاعر سعيد عقل
بيروت – عرب تليجراف – لقي الشاعر اللبناني الكبير الراحل سعيد عقل مراسم تشييع أسطورية تليق بمشواره الطويل مع الحياة والشعر والأدب لما يزيد عن القرن بعامين حيث سجي جثمانه يوم الاثنين في جامعة سيدة اللويزة على ان ينقل يوم الثلاثاء الى مسقط راسه زحله في شرق البلاد.
هو الذي وصف بلاده كأنها “صخرة علقت بالنجم أسكنها طارت بها الكتب قالت تلك لبنان” رقد في نعش يمثل تحفة فنية منحوته من صخر جبال لبنان الصلبة على شكل ناووس فينيقي وغطاؤه مصنوع من خشب الأرز ومحفور عليه أحرف اسم الراحل على شكل زهرة.
علقت لسعيد عقل “صخرة” مغناة .. وسطور مرصعة على الورق جعلته بمثابة المحافظة السادسة للبنان أو غابة أرز على أقل تقدير.
وقال النحات اللبناني رودي رحمة الذي عمل على صناعةالنعش منذ عام “هذا النعش يليق به لأنه أحب لبنان كثيرا …سيبحر بكلامه إلى كل العالم الذين آمنوا بهذا الحرف اللبناني الذي صدر المعرفة إالى كل العالم.”
وقال سهيل مطر نائب رئيس جامعة اللويزة التي كان عقل يقوم بالتدريس فيها لفترة طويلة “ها قد وصل (مشوار جينا ع الدنيا مشوار) وها هو في مشواره الأخير إلى هذه الجامعة. الآف المشاوير منذ 25 سنة إلى اليوم يقوم بها كل صباح إلى هذه الجامعة يدخل الصفوف يبتسم للطلاب يصلي معهم يخاطبهم يحاورهم يرتفع بهم ويترك عطر أشعاره والصدى مرشوشا في الزوايا وفي عيون الشباب والصبايا.”
أضاف “لن تنتهي يا سعيد عقل فالكبار المتمردون لا يسعهم نعش ولا تسجنهم قبور ولا يغيبون بإغماضة عين مع كل (رندلى) مع كل رندلات بلادي مع (يارا) … مع الزنابق والورد والبخور مع دمعة البردوني ودموع الشام وعمان والقاهرة وبغداد مع دموع مكة وأهلها الصيد مع دموع القدس زهرة المدائن مع انحناءات أعمدة بعلبك ننحني ونقول: من زهر لبنان خذ عرشا ومن قيم ..لا زهر لبنان منان ولا القيم.”
وعقل هو الأب الروحي لأغنية (يارا الجدايلها شقر) وكان يتأرجح على حروف أغنية (لاعب الريشة) ويسقي الكلمات أنغاما تخرجها من الكتاب إلى أصوات الكبار وفي مقدمتهم المطربة اللبنانية فيروز.
وإضافة الى لبنان تغزل سعيد عقل بالأوطان من دمشق إلى بيروت فعمان والقدس والقاهرة ناظما أجمل الوصف للشام التي أعاد اليها الصيف .. وخاطبها من لبنان في أول الحرب الاهلية التي دارت بين عامي 1975 و1990 قائلا “فأنا هنا جرح الهوى وهناك في وطني جراح وعليك عيني يا دمشق فمنك ينهمر الصباح.”
تخصص عقل في رسم المدن بالحبر. فغنى مكة أهلها الصيد وقرأ مجد دمشق وشهر السيف في القدس زهرة المدائن وحصن عمان في القلب وتمشى على (شط اسكندرية).
وفي احدى قاعات جامعة سيدة اللويزة سجي جثمان عقل يحيط به المئات من الاساتذة والطلاب والاقارب مطوقين أعناقهم بشالات حمراء في إشارة إلى ربطة العنق الحمراء التي لم تكن تفارق عنق عقل.
وإضافة إلى الصلاة الجنائزية رتل عددا من الفنانين قصائد دينية كان قد كتبها الشاعر نفسه. كما رثته المطربة اللبنانية نجوى كرم ابنة زحلة مسقط رأس سعيد عقل بأبيات شعرية باللهجة العامية.
وكان الشاعر والأديب الذي يعرفه العالم العربي بقصائده قد توفي الجمعة تاركا عشرات الدواوين وتأجلت جنازته إفساحا للمجال أمام تشييع المطربة صباح الاحد.
ومن المقرر ان ينتقل جثمان عقل الثلاثاء إلى كنيسة مار جاورجيوس في وسط بيروت حيث يصلى على جثمانه قبل ان يوارى الثرى في مسقط رأسه في زحلة بالبقاع شرق البلاد.
ولد عقل عام 1912 وعمل في التعليم والصحافة ولقب بالشاعر الصغير لأنه كان شاعرا منذ طفولته كتب في الشعر والنثر وكان أول من سعى إلى الترويج “للغة لبنانية” بمعزل عن اللغة العربية واقترح أبجدية لاتينية لكتابتها.
ولسعيد عقل الكثير من المؤلفات الأدبية والشعرية ترجم بعضها إلى الفرنسية والإنجليزية وكانت باكورتها كتاب (بنت يفتاح) عام 1935.
تميزت أشعاره بالرمزية والفرح بعيدا عن التباكي وهو الذي قال يوما “في شعري شيء من الرمزية لكن شعري أكبر من ذلك يضم كل أنواع الشعر في العالم هؤلاء الذين يصدقون أنهم رواد مدرسة من المدارس ليسوا شعراء كبارا الشعراء الكبار هم الذين يجعلون كل أنواع الشعر تصفق لهم.”
واعتبر من أبرز الشعراء الذين كتبوا المسرحية الشعرية فكانت له مسرحية (قدموس) عام 1944 والتي اعتبرت عمارة شعرية بمقدمة نثرية رائعة وشكلت لونا جديدا من الملاحم الشعرية.
وبين عامي 1944 و1960 نشر ثلاثة دواوين (المجدلية) و(رندلى)
و(أجمل منك لا) كما أن له كتابات في النثر من بينها (مشكلة النخبة) و(لبنان إن حكى) و(شعر ونثر).
أثارت مواقفه من (اللغة اللبنانية) جدلا كبيرا كما في مواقفه المناهضة للوجود الفلسطيني المسلح في لبنان إبان الحرب الاهلية وترحيبه بالجيش الإسرائيلي إبان اجتياحه للعاصمة بيروت عام 1982.
عام 1962 أنشأ عقل جائزة شعرية من ماله الخاص تمنح لأفضل صاحب أثر في الكتابة وحاز العديد من الكتاب اللبنانيين على هذه الجائزة.
ظل عقل يدرس ويكتب ويعمل حتى وقت ليس ببعيد وكان كلما زاد في العمر عاما زاد تألقا وعطاء وهو الذي لخص طموحه بالقول “أقول الحياةُ العزمُ حتى إذا أنا انتهيتُ تَوَلّى القَبرُ عزمي من بَعدي.”