من هم هؤلاء الذين يريدون إقامة هذه الخلافة؟
من هم هؤلاء الذين يريدون إقامة هذه الخلافة؟
السيد فضل الله: مخططات لتفتيت المنطقة..
ولرؤية جديدة للمواجهة
بول باسيل
يُخطئ من يظن أن “الداعشية العنفية” فرّخت بين ليلة وضحاها، وهي التي سُخِّرت من أجلها دور نشر لإصدار كتب غابرة مشكوك في أحداثها وحديثها، وأقلام رخيصة في صحف “رخيصة”، وأصوات فصيحة لتلفزيونات “مقيتة”، ناهيك عن أجهزة مخابراتية متعددة الجنسيات، ومستلزمات لوجستية مادية ومالية.. نعم، هناك “داعشية سياسية” مكشوفة، وأخرى مخفية معروفة، هدفها ليس فقط تبرير القتل واستخدام الإرهاب، بل أكثر؛ تعمل له وتخطط.. وهنا بيت القصيد.
وحده الوعي من يحدّ من فاعلية هذه “الداعشية” الإبليسية التي يراد منها تقسيم المنطقة في نزاعات لا تنتهي، ودماء تجرّ دماء، صارخة: “أريد الانتقام”..
“الثبات” حاورت السيد علي فضل الله في الذكرى السنوية الرابعة لوفاة العلامة السيد محمد حسين فضل الله (رحمه الله)، وإليكم أبرز ما جاء في الحوار:
نحن اليوم في أمسّ الحاجة إلى خطاب العقلاء ونهج العلامة السيد محمد حسين فضل الله لدفن الفتنة التي يراد منها أكل الأخضر واليابس، وإنقاذ الإسلام من الدخلاء عليه أولاً، وإنقاذ المشرق المتنوع ثانياً.. بهذه العزيمة يردّ السيد علي فضل الله على تساؤلنا عما إذا كان عصرنا يتقبّل دعوات الهدوء والحكمة والاحتكام إلى العقل التي كان ينادي بها والده (رحمه الله)، في ظل استعار القلوب بمشاعر الضغينة، والعقول بالأفكار المريضة.
يقول المؤتمن على تاريخ نضالي إسلامي عقلاني منفتح، بروحية التخشع والإجلال لله: “والدي كان تعبيراً صادقاً للإسلام النيّر، والإسلام دين يدعو إلى مدّ الجسور مع الآخر، والحوار معه، والانفتاح عليه، وتقبُّله، ومناقشته بهدوء ومنطق، ولو أرادنا الله نفسيّة واحدة لفعل، ولو أرادنا بعقل واحد لاستطاع.. إن الحياة بحركيّتها تعطينا غنى بتنوعها وتنوع الإنسان.. ومبدأ الحياة هو الاختلاف لا الخلاف، والتعارف لا التقاتل، ونحن مستمرون على النهج الذي أسّسه الوالد، وهو اليوم حاجة ماسة، لوجود الفتن والمشاكل والحروب التي نسمع صوتها القوي.. وفي نهاية المطاف، سيجلس الجميع إلى طاولة الحوار، لأن لبنان لا يعيش بغير التنوّع، والمشرق لا يستمر بغير هذا المزيج الجميل؛ من مدارس متنوعة، وسُنة وشيعة ومسيحيين ودروز وعلويين وأكراد وأقباط.. ورغم السلبيات التي يُظهرها الإعلام وأجهزة المخابرات لتعميم صورة التقاتل بين الأخوة، لتشويه الإسلام، هناك صورة أخرى تعمل بصمت وقوة، ومن الطوائف كلها، للردّ على ذلك، وهذا ما يعزينا ويعزي مؤسسات العلامة محمد حسين فضل الله والقيمين عليها”.
السيد فضل الله المتفائل بتغيير المشهد المشرقي برمّته، يدعو رجال الدين بالعموم إلى رفع صوتهم بقوة لإخراس صوت الفتنة، وإيقاظ الضمير، فمَن غير رجال الدين يمكنه ردع أصوات التقاتل؟ “الصوت الوحدوي يكون ضعيفاً في مراحله الأولى، لأنه يعاكس الذهنية العصبية، ولكنه سيقوى في المراحل المتتالية، لأنه يعبّر عن الحق والمصالح العليا للجميع”.
الخلافة الإسلامية
يضع السيد فضل الله إعلان “داعش” الخلافة الإسلامية ضمن سياق صناعة الفتن التي تمرّ بها المنطقة، وفي رأيه، يبغي الأميركي، ومن ورائه “الإسرائيلي”، تقسيم المنطقة وفق أسس طائفية وقومية، لتستعر النار أكثر بين البلدان المختلفة، وداخل كل بلد، يقول: “من هم هؤلاء الذين يريدون إقامة هذه الخلافة؟ وأي إسلام يريدون تطبيقه؟ الإسلام الذين يظهر على أيديهم ليس إسلاماً صحيحاً، وهذه الدعوة المفتوحة للقتل والعنف وإقصاء الآخر وإرغامه على الخضوع ليست من الإسلام في شيء، بل هي تشويه للإسلام.. وفي رأينا، فإن إعلان الخلافة يستهدف دغدغة المشاعر الدينية، وحث الناس على الالتحاق بسلطة “داعش”، التي أظن أنها لن تعمّر كثيراً، لعدم وجود مقوّمات حقيقية لاستمرارها، وقد بدأ يتكشف للمسلمين بما لا شك فيه أنهم أول المتضررين من هذا التشويه، وهم يعمدون محاربته، لأنه يشوّه إسلامهم الحقيقي من جهة، ويدعو إلى استباحة أعراض الناس وأموالهم وممتلكاتهم من جهة أخرى، وهذا ما يكشف وجود مخططات خبيثة بدأت الناس ترى نتائجها، لأن إسلام العمران والحضارة والتمدن والقيم يتمّ طمسه لصالح دعوات تكفير وقتل وجهل.. والناس ترى بأم العين التعرُّض للمقامات الدينية، وتفجير المدارس ومؤسسات الدولة، وهذا ما لا يقبله عاقل في أية منطقة”.
وتأكيداً على ذلك، يشير السيد فضل الله إلى إضاعة العرب والمسلمين لقضية فلسطين، مع تلهّي كل بقعة جغرافية على امتداد أوطاننا بالأوحال التي تم إغراقها فيها، فالعراقي أو السوري أو المصري أو التونسي أو الليبي أو اليمني باتت له أولويات أخرى غير فلسطين، وهذا ما يريح الصهاينة، لممارسة السياسات العدوانية القائمة على القتل والتدمير واقتطاع الأراضي وبناء المستوطنات، والأهم من كل شيء، سيعمد هؤلاء الغزاة إلى تسويق فكرة عدم قدرة الأديان على التعايش فيما بينها، من أجل إعلان يهودية الدولة.
في رأي السيد فضل الله، هناك مسؤولية تقع على عاتق قادتنا ومشايخنا، يقول: “أُلهبت المنطقة بالحروب والحديد والنار من أجل إسرائيل، ويُقتل العربي، وتُهتك أعراضه، ويُشوَّه إسلامه، بينما قادته ومشايخه، مع الأسف الشديد، يتلهون (بمعظمهم) باللعب بذيل الأفعى، بدل ضرب رأسها، لكن كما قلنا سابقاً: الوجع الناتج من هذه الحالة الشاذة سيوقظ الإنسان العربي والإسلامي في القريب العاجل، وسيكون دافعاً لاستنهاض المنطقة من جديد”.
لبنان
وبالعودة إلى ملفاتنا المحلية، يعيد السيد فضل الله التذكير بأن مسار لبنان الدولة – الكيان يتحرّك على إيقاع تطورات المنطقة، يقول: “لبنان رئة المنطقة، وعَجْز أبنائه عن السير في الاستحقاق الرئاسي والمؤسسات الدستورية، يكشف حجم تشابك الخارج مع الداخل لتمرير مشاريع غريبة عنه، تماماً كما هي حال صورتنا العربية والإسلامية”.
ويضيف سماحته: “رغم اضطراب لبنان وتحرُّكه على إيقاع تشنّجات المنطقة ومصالح الدول الإقليمية، علينا كلبنانيين تحصين البلد ومؤسساتنا، ونحن بإمكاننا الحد من خسائر هذه الارتدادات.. وبانتظار أن يحوّل اللبنانيون بلدهم من تجمّع للطوائف إلى وطن، سيبقى هذا البلد يترنّح يمنة ويسرة؛ بحسب توازنات المنطقة والعالم، وما نراه من هدوء نسبي على صعيد الأمن مؤخراً، مصدره توجُّه راسمي الخرائط إلى ملفات أخرى، فهم قادرون على زعزعة استقراره لو أرادوا، لأجل ذلك نتمنى تضامُن اللبنانيين فيما بينهم، لتجاوز هذه الموجة التكفيرية التي تسود المنطقة”.
الشباب
ورغم أحقية الحراك الذي أطلق عليه “الربيع العربي”، يلفت السيد فضل الله إلى تحريف رغبة الشعوب في تغيير ما هو قائم، لصالح دعوات الفتنة والقِسمة، بهدف تطويق عملية التغيير.
ويقول السيد: “نعيش مخططاً يعمل لتشتيت القوى وتفتيتها وتجزئة المقسَّم؛ مخططاً يعمل على قطع أوصال المنطقة بأشكال مختلفة، يجمعها العنف الذي تولد جراءه تداعيات على المستوى النفسي للإنسان العربي، وعلى المستوى الجغرافي للمنطقة العربية، وانقسامات قد تستمر لسنوات، كما هو حاصل في العراق وغيره، وهذا ما يدعونا إلى الانتباه جداً إلى هذه المسألة. لذا، المطلوب توحيد كل القوى التي تعي مخاطر الواقع الراهن، والتي تتحرك من موقع الحريص على الوطن والأمة، لا المستغرق في عصبياته وأحقاده”.
ولذلك، من أجل صياغة رؤية جديدة للمواجهة، واستنهاض الهمم على أساسها، يعوّل السيد فضل الله على الشباب الذين يعانون اليوم جراء خطط خارجية تسرق أحلامهم أو تعمل لتغييرها، يقول: “سيعرف الشباب في العالمين العربي والإسلامي عموماً، وفي لبنان خصوصاً، أن صناعة الأحداث التاريخية والعمل لمستقبل واعد، لا يمكنه أن يتأمّن من خلال سياسات تكون صدى للخارج.. وشخصياً، ورغم الصورة القاتمة التي تظهر اليوم إعلامياً، أتوقّع في القريب ظهور دعوات للتحرر من العصبيات الدينية، والعودة إلى رحاب الدين، بما يعيد الإشراقة للبنان والمنطقة والإسلام، ولمشرقنا الذي نحبه”.