السحق والإكراه .. أدوات داعش في مسيرتها صوب بغداد
بغداد (رويترز) – حقق تنظيم الدولة الإسلامية نجاحا كبيرا في سحق المقاومة عبر شمال العراق باستخدام رؤيته الخاصة للقوة الناعمة والقوة الخشنة حتى أن ما وعد به من الزحف على بغداد ربما لا يكون شجاعة شكلية لا أساس لها في الواقع.
وفي حين أن الدول التقليدية تسعى لكسب قلوب وعقول الناس في الخارج قبل أن تلجأ بالضرورة للقوة العسكرية فإن هذه الجماعة الجهادية تعمل أيضا على تحقيق أهدافها بالوسائل النفسية وتقوي شوكتها سمعة الإفراط في استخدام العنف.
واستخدمت الدولة الإسلامية التي استولت في يونيو حزيران الماضي على مساحة كبيرة من الاراضي في شمال العراق بما في ذلك مدينة الموصل أكبر مدن المنطقة هذه الاستراتيجية عندما واجه مقاتلوها مقاومة مسلحة من بلدة العلم على مدى 13 يوما.
فقد خطف المقاتلون 30 أسرة محلية واتصلوا بأكبر أعيان المدينة لنقل رسالة بسيطة عن الرهائن مفادها “تعلمون مصيرهم إذا لم تتركونا نستولي على المدينة.”
وخلال ساعات استسلم شيوخ العشائر وكبار أهل البلدة لانقاذ الأسر. وسرعان ما ارتفع علم المتشددين الأسود فوق المباني الحكومية ومراكز الشرطة في العلم.
وبعد أسابيع لا يحرس نقاط التفتيش في مختلف أنحاء العلم ليلا سوى بضعة مسلحين ملثمين. وهكذا ارتاح تنظيم الدولة الاسلامية للسيطرة من خلال الخوف.
وقال أحد السكان الخائفين هاتفيا مشترطا عدم نشر اسمه “كل الناس مستاءون من وجود الدولة الاسلامية لكن لا يسعنا عمل أي شيء.”
وتتكرر حكايات الانتصار المماثلة للدولة الاسلامية – التي استولت على مساحة كبيرة من الاراضي السورية خلال الحرب الأهلية – في مدن وقرى أخرى بمحافظة صلاح الدين الواقعة شمالي بغداد.
ولم يردع العداء الجهاديين عن الاستيلاء على الارض والاحتفاظ بها في بعض المناطق التي تسكنها أغلبية سنية حيث قاتل السكان المحليون تنظيم القاعدة في العراق الذي خرجت من عباءته الدولة الاسلامية.
وسمح كسر شوكة السكان المحليين للقوة الصغيرة نسبيا بالزحف جنوبا إذ ركزت حربها في الأيام الأخيرة على ساحات قتال لا تبعد سوى 70 كيلومترا عن بغداد.
وقد عزز المقاتلون رصيدهم من السلاح والعتاد على طول الطريق وجعلوا الاستيلاء على أسلحة وعربات شرطا في أي اتفاقات يبرمونها مع التجمعات السكانية التي أرغموها على الخضوع لهم.
* زيادة الأعداد
يقدر مسؤولون عسكريون أمريكيون وأمنيون عراقيون أن الدولة الاسلامية لديها ثلاثة الاف مقاتل على الأقل في العراق وأن العدد يرتفع إلى نحو 20 ألفا عند حساب المجندين الجدد الذين انضموا اليها منذ الهجوم الخاطف الذي شنته الشهر الماضي.
ولا تزال بعض التجمعات السكانية السنية ترفض الانضواء تحت لواء المتشددين الاسلاميين. لكن مشاعر الغضب من حكومة رئيس الوزراء الشيعي نوري المالكي شجعت بعض الجماعات السنية المسلحة على الانخراط مع الدولة الاسلامية منذ استيلائها على الموصل في العاشر من يونيو حزيران حسبما قال مسؤولون وشيوخ عشائر.
وقال منصور البرزاني رئيس مجلس الامن الوطني لاقليم كردستان العراق إن الدولة الإسلامية “أصبحت وجه هذه الانتفاضة أو هذا التمرد.”
وانضمت جماعات أخرى تعارض بغداد إلى الدولة الاسلامية بعد أن اجتذبها نجاحها المتواصل. وقال البرزاني “آمنوا بمبدأ عدو عدوي صديقي.”
وقال الشيخ وسام حردان أحد القيادات الشعبية التي قاتلت تنظيم القاعدة إن بعض الجماعات السنية المسلحة المتحالفة مع الدولة الاسلامية تولت السيطرة على تجمعات سكنية أخضعتها الدولة الاسلامية في البداية.
وأضاف أن الدولة الإسلامية “تعتمد على الخلايا النائمة في الاحتفاظ بالمناطق والجيش الاسلامي وجيش المجاهدين و(جيش) النقشبندية كلهم يرفعون الآن علما واحدا ويتعاونون.”
ويبدو أن مقاتلين من السنة ممن اكتسبوا خبرة واسعة في مقاتلة القوات الامريكية في البداية ثم تنظيم القاعدة ينحون خلافاتهم المذهبية مع الدولة الاسلامية جانبا على الأقل في الوقت الراهن سعيا لتحقيق هدف مشترك.
ولا تزال القوات الحكومية تفوق المتشددين عددا بل وانضم إليها عشرات الالاف من أفراد الميليشيات الشيعية إلى جانب المتطوعين العاديين الذين استجابوا لنداء السلاح الذي أطلقه أبرز رجال الدين الشيعة في العراق.
لكن وجود الميليشيات ساعد الدولة الاسلامية مع ضم الصفوف بين الفصائل السنية المسلحة في مواجهة الجماعات الشيعية التي يتهمونها بتنفيذ عمليات قتل طائفية.
كما استفادت الدولة الإسلامية من حالة الضعف التي تعتري الجيش العراقي والهوة المتنامية بين الطائفتين السنية والشيعية في إطار تحديها سيطرة بغداد على مدن مثل الضلوعية التي لا تبعد عن بغداد سوى ساعتين بالسيارة.
* سرعة التحرك
عندما دخل مسلحو الدولة الاسلامية الضلوعية في قافلة طويلة من الشاحنات والعربات العسكرية المسروقة توجهوا إلى أعيان عشيرة جبور برسالة مفادها : انضموا إلينا كمقاتلين أو ابقوا في دياركم وبعيدا عن طريقنا.
وقال عدد من سكان المدينة إن مقاتلي الدولة الاسلامية قالوا للشيوخ “لا مشكلة لنا معكم. وهدفنا هو دخول بغداد.”
لكن أهل الضلوعية لم يرتاحوا لهذا الهدف. وكان كثير منهم قاوم الغزو الأمريكي عام 2003 غير أنهم انضموا فيما بعد إلى القوات الامريكية في مقاتلة تنظيم القاعدة. وتطوع نحو 2000 من السكان المحليين للقتال في صفوف الشرطة من أجل منع المسلحين المتشددين من اجتياح المدينة وسرقة السلاح والعربات.
وتبادل المقاتلون المتشددون والشرطة السيطرة على المدينة عدة مرات خلال قتال استمر أسابيع شارك فيه سكان محليون وبعض التعزيزات الحكومية من وقت لآخر.
وقال أحد السكان انضم للشرطة لفترة ثم غير رأيه الأسبوع الماضي “لا أثق بالقوات الحكومية.”
وأضاف أنه أرسل زوجته وأطفاله الثلاثة إلى قرية قريبة وسيبقى مع أخيه لحماية المتاجر التي يملكونها.
وفي الأسبوع الماضي وصل عدد يقدر بنحو ألف رجل كثير منهم متطوعون انضموا للقوات الحكومية من مدينة سامراء التي تضم بعض أهم المراقد الشيعية لتعزيز السكان المحللين الذين يقاتلون في صفوف الشرطة.
غير أن الرجل الذي انسحب من صفوف الشرطة قال إنهم ليسوا ندا للجهاديين وأضاف “أعلم أنهم ليسوا قادرين على مقاتلة الدولة الاسلامية.”
وعندما اختفى مقاتلو الدولة الاسلامية بصفة مؤقتة انسحبت القوات الحكومية والمتطوعون أيضا عائدين في اتجاه الجنوب إلى ساحة المعركة حول سامراء ما شجع المتشددين على العودة.
وقال الرجل “لا يحرزون أي تقدم بينما الدولة الاسلامية تتحرك بسرعة.”
* حملات عقاب
ويبدو أن السكان الذين لم يفروا من أعمال العنف بدأوا يستسلمون على نحو متزايد لفكرة أن الضلوعية ستسقط في أيدي المتشددين.
وبدأ فيما يبدو فصل جديد من فصول الحملة التي يشنها تنظيم الدولة الاسلامية في مطلع الأسبوع. فقد قالت الدولة الاسلامية على حساب يرتبط بها على تويتر إنها ستقصف المدينة وسكانها “الكفار” الباقين فيها بقذائف مورتر عيار 82 مللي و120 مللي.
وقالت الشرطة المحلية إن المتشددين أطلقوا ما بين 50 و60 قذيفة مورتر على المدينة ليل السبت ما أسفر عن مقتل إمرأة وطفل.
ونهجت الدولة الاسلامية نهجا مماثلا في شدته لقمع المعارضة في مناطق أخرى بمحافظة صلاح الدين.
وإلى الشمال في قرية الزوية الواقعة بين نهر دجلة وسلسلة جبال صغيرة بدأت الدولة الاسلامية هجوما بريا استغرق يوما بأكمله مدعوما بقصف شديد الاسبوع الماضي كاد أن يمحو هذا التجمع السكاني بعد أن حاول السكان المحليون التعبئة.
ويراود الأمل بعض السكان في إمكانية النجاح في منع الدولة الاسلامية من فرض حكمها على الزوية بفضل ما لديهم من ذكريات عن مقاتلة القاعدة عندما دفعت مجالس الصحوة المدعومة من الولايات المتحدة التنظيم للتراجع.
وقال أحد سكان المدينة طلب عدم نشر اسمه خشية الانتقام منه “تصدينا لهم عدة مرات وكنا المنتصر دائما في تلك السنين.”
ولم يكن هذا هو الحال الأسبوع الماضي. وقال عدد من السكان إن الموجة الأولى من المتشددين التي حاولت اقتحام الزوية تصدى لها بعض السكان كانوا يختبئون في الجبال.
غير أنه سرعان ما فر الآلاف للنجاة بحياتهم عندما بدأت الدولة الاسلامية تطلق قذائف المورتر من الضفة الأخرى للنهر. واشتعلت النيران في نحو 200 منزل ومركز الشرطة الرئيسي.
وقال آخر لرويترز إنه حارب وهو وزملاؤه حتى نفدت ذخيرتهم. وأضاف “وعدنا المحافظ (بمحافظة صلاح الدين) ورئيس الشرطة ببعض التعزيزات لكن للاسف لم تنفذ الوعود.”
وقتل أكثر من 20 شخصا من سكان الزوية وقال سكان إن عدد القتلى بين المتشددين غير واضح رغم أنهم قدروه بالعشرات.
* عرض للتائبين
رفعت الدولة الاسلامية أعلامها على المباني الحكومية في الزوية التي لم يلحق بها الدمار لكن سكانا يقولون إن المقاتلين قصروا وجودهم على نقطتي تفتيش عند مداخل المدينة.
ومازال يسمح لموظفي الحكومة بالذهاب إلى أعمالهم في العيادات الصحية أو في محطات الكهرباء رغم أن المسؤولين الامنيين لم يعودوا إلى أعمالهم.
ويقول السكان أيضا إن المتشددين يسمحون لاي شخص “يتوب” بزيارة شيخ محلي يستضيف ممثلا للدولة الاسلامية بعد صلاة الجمعة.
ويحصل من يعترفون بأنهم أخطأوا بمقاومة الجماعة ويبايعونها على ورقة مختومة بخاتم الدولة الاسلامية وشعارها الاخضر بما يضمن سلامتهم.
وقال أحد سكان المدينة إن الوجود الرمزي يكفي لمنع السكان من التمرد مرة أخرى ويشير إلى أن السكان يعتقدون أن الدولة الاسلامية جعلت من الزوية مثلا لكل من يحاول الخروج على قواعدها.